وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، وحدائق كثيرة لكان قد صغر الجزاء، على حسب ضعف البلاء، ثم لو كان الأساس المحمول عليها أو الأحجار المرفوع بها ما بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس، ولكن الله عز وجل يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بألوان المجاهدة ويبتليهم بضروب المكاره، اخراجا " للتكبر من قلوبهم، واسكانا " للتذلل في أنفسهم، وليجعل ذلك أبوابا " إلى فضله، وأسبابا " ذللا لعفوه وفتنه، كما قال: (1) " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قلبهم فليعلمن الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ".
أقول: هذه الخطبة التي أشار إليها في الكافي قد نقلها بتمامها السيد الرضي (قدس سره) في كتاب نهج البلاغة، بيان لا بأس بايضاح بعض ألفاظها المغلقة، الذهبان: جمع ذهب كخرب بالتحريك لذكر الحبارى، وخربان والعقبان، قال في القاموس: ذهب ينبت وقيل خالص الذهب، والقائلين: قيل من القيلولة، يعني لو لم يكن ابتلاء لكانوا مسترحين، فلا ينالون أجور المبتلين، ولم يكن هناك احسان فلا يلحقهم ثواب المحسنين، ولا يكون مطيع ولا عاص، ولا محسن ولا مسيئ بل ترتفع هذه الأسماء، ولا يستبين لها معنى.
وفي كتاب نهج البلاغة واضمحل الأبناء أي تلاشت وفنيت الأخبار يعني الوعد والوعيد، وفيه غنى وأدى مكان غناه وأذاه والخصاصة الفقر، والحاجة، والروم الطلب، والضيم الظلم. ومد الأعناق نحو الملك، كناية عن تعظيمه يعني يؤمله المؤملون ويرجوه الراجون وشد الرحال كناية عن مسافرة أرباب الرغبات إليه، بمعنى أنه لو كان الأنبياء ملوكا ذوي بأس وشوكة وقهر، لم يكن ايمان الخلق لهم لله سبحانه، بل كان لرهبة لهم، وخوف منهم، أو لرغبة وطمع فيهم، فتكون النيات