يشمل مثل هذا ففيه (أولا) ما قدمنا من أن الاحتياط عندهم ليس بدليل شرعي، و (ثانيا) أن المستفاد من الأخبار الدالة على عدم السؤال والفحص عما يشترى من أسواق المسلمين ويؤخذ من أيديهم والنهي عن ذلك وإن كان احتمال التحريم أو النجاسة فيه قائما، والبناء في ذلك على ظاهر الحل والطهارة، عملا بسعة الحنيفية السمحة السهلة عدم الاحتياط هنا.
(المورد الرابع) سؤر غير الآدمي من الحيوان الغير المأكول اللحم عدا الكلب والخنزير، وقد اختلف الأصحاب في ذلك، فذهب الفاضلان وجمهور المتأخرين إلى طهارة سؤر كل حيوان طاهر، ونقل أيضا عن النهاية والخلاف، إلا أنه استثنى في النهاية سؤر آكل الجيف من الطير، ونقل عن المرتضى وابن الجنيد استثناء الجلال، ونقل عن ظاهر الشيخ (رحمه الله) في كتابي الأخبار المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه، لكنه في الاستبصار استثنى من ذلك سؤر الفأرة والبازي والصقر ونحوهما من الطيور، ونقل عن المبسوط أنه ذهب إلى عدم جواز استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الأنسي عدا ما لا يمكن التحرز منه كالفأرة والحية والهرة، وجواز استعمال سؤر الطاهر من الحيوان الوحشي طيرا كان أو غيره، حكاه عنه المحقق في المعتبر.
ونقل في المختلف عن ابن إدريس أنه حكم بنجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر من غير الطير مما يمكن التحرز عنه. والأظهر من هذه الأقوال هو القول الأول ومحل الخلاف هنا في مواضع أربعة:
(أحدها) الجلال، وقد عرفت أن المرتضى وابن الجنيد استثنياه من السؤر المباح، وكذا نقل عن الشيخ في المبسوط. ومقتضى كلامهم الحكم بنجاسة السؤر مع طهارة حيوانه. وقد اعترف جمع ممن تقدمنا أنهم لم يقفوا له على دليل.
وربما استدل عليه بأن رطوبة أفواهها ينشأ من غذاء نجس فيجب الحكم بالنجاسة.