ويعلم قطعا كذب إحداهما، وليس تكذيب واحدة منهما بعينها أولى من تكذيب الأخرى. فيجب طرح الجميع والرجوع إلى الأصل وهو الطهارة.
وأنت خبير بأن سياق حجة القول الأول ينادي بالاختصاص بصورة عدم إمكان الجمع، ولعلهم في صورة إمكان الجمع يحكمون بنجاسة الإناءين باعتبار قبول الشهادتين كما هو ظاهر، لأن فرض قبول البينة في كل من الإناءين مع الانفراد يقتضي القبول مع الاجتماع، للقطع بعدم تأثير الاجتماع في اختلاف الحكم حيث لا تنافي كما هو المفروض، ولعله لظهوره لم يتعرضوا له. وظاهر كلام الشيخ في الخلاف عدم الفرق بين صورتي إمكان الجمع وعدمه، كما هو صريح صدر عبارته في المبسوط.
وأورد على كلامه في الخلاف أنه لا مقتضي للطرح إلا التعارض، وهو منفي بالنظر إلى أحد الإناءين من غير تعيين، وإنما وقع التعارض في التعيين، والاطراح فيه لا يقتضي الاطراح مطلقا فيبقى معنى الاشتباه موجودا. هذا بالنظر إلى صورة عدم إمكان الجمع. وأما بالنظر إلى صورة إمكانه فقد عرفت أن مقتضاه هو الحكم بالنجاسة.
وأما كلام العلامة في المختلف فما يتعلق منه بصورة إمكان الجمع متجه كما تقدم وجهه، وأما ما يتعلق بصورة عدم الامكان فيرد عليه ما يرد على كلام الخلاف، لاتفاقهما في الحكم بذلك. وكأنه (قدس سره) في المختلف تنبه لورود المناقشة بذلك فقال بعد الكلام المتقدم: " لا يقال: يحكم بنجاسة أحد الإناءين وصحة إحدى الشهادتين. فيكون بمنزلة الإناءين المشتبهين. لأنا نقول: نمنع حصول العلم بنجاسة أحد الإناءين وصحة إحدى الشهادتين، لأن صحة الشهادة إنما تثبت مع انتفاء الكذب، أما مع وجوه فلا " وضعفه في المعالم بأن التكذيب إنما وقع في التعيين لا مطلقا. وكأنه لما كان مجال المناقشة مع هذا الجواب باقيا بحاله استدرك في آخر كلامه، فقال: " على أنه لو قيل بذلك يعني بمنزلة الإناءين المشتبهين كان وجها، ولهذا يردهما المشتري سواء تعدد أو اتحد " انتهى. وحينئذ فيرجع كلامه إلى ما ذكره