بالاجماع وجملة من الأخبار: منها صحيحة الحلبي، وساق الخبر كما تقدم. ثم قال: والحكم بتحريم اللحم على عدم تحقق الذكاة، وذلك يقتضي الحكم بموته حتف أنفه، والنجاسة لازمة له. ثم أجاب بالمنع من دلالة حرمة اللحم على عدم تحقق الذكاة. وإنما يدل على ذلك لو كان الحكم بالتحريم موقوفا عليه، وهو في حيز المنع أيضا، لجواز استناده إلى جهالة الحال وحصول الاشتباه، فإن التحريم حينئذ هو مقتضى الأصل، لاشتراط الحل بأمر وجودي، ولا ريب أن الأصل في مثله العدم، فيعمل بكل من أصلي طهارة الماء وحرمة اللحم. ثم قال: وما يقال من أن العمل بالأصلين إنما يصح مع إمكانه، وهو منتف، لأنه كما يستحيل اجتماع الشئ مع نقيضه كذلك يستحيل اجتماعه مع نقيض لازمه فجوابه أن عدم الامكان إنما يتحقق إذا جعل التحريم مستندا إلى العلم بعدم التذكية الذي هو عبارة عن موته حتف أنفه، لا إذا جعل مسببا عن عدم العلم بالتذكية. والحكم بطهارة الماء إنما يتوقف على عدم العلم بوجود النجاسة لا على العلم بعدمها، إذ الشك في نجاسة الرافع لا يقتضي نجاسة الماء قطعا. انتهى.
وعلى هذا المنوال جرى جمع ممن تقدمه وتأخر عنه في الاستدلال، وملخصه أن تحريم الصيد الذي ثبت بالاجماع والنصوص في الصورة المفروضة إنما يستلزم نجاسة الماء لو كان العلة فيه عدم تذكية الصيد وموته حتف أنفه، أما لو كان العلة فيه عدم العلم بالتذكية فلا، إذ النجاسة إنما تلزم العلة الأولى دون الثانية، فإن طهارة الماء عبارة عن عدم العلم بملاقاة النجاسة، وههنا كذلك. للشك في نجاسة الصيد باحتمال موته حتف أنفه واحتمال تذكيته.
أقول: والذي يظهر لي أن كلام الجميع في هذا المجال غير خال من الاجمال بل الاختلال، إذ لا يخفى أن ثبوت النجاسة للماء وعدمها إنما نشأ من الصيد والحكم بطهارته أو نجاسته، فالواجب أولا بيان الحكم فيه بالطهارة أو النجاسة، ولا ريب