ابن مسلم (1) حين " سأل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب. فقال: إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ " وهذه الرواية مقيدة بتلك الروايات الدالة على اعتبار التغير، فكأنه قيل: " لم ينجسه شئ إلا التغير " يدل على ذلك صحيحة زرارة (2) قال " إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شئ تفسخ فيه أو لم يتفسخ فيه إلا أن يجئ له ريح يغلب على ريح الماء ".
ويؤيد ما أشرنا إليه ما رواه صفوان الجمال في الصحيح قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب، أيتوضأ منها؟ قال: وكم قدر الماء؟ قلت:
إلى نصف السلق وإلى الركبة وأقل. قال: توضأ " (3) فانظر إلى سؤاله (عليه السلام) عن قدر عمق الماء، ولم يسأل عن مساحته، لعلمه بتلك الحياض وما هي عليه من السعة، فلما عرف (عليه السلام) بلوغه الكثرة التي لا ينفعل معها الماء بمجرد الملاقاة أمره بالوضوء.
ويدل على ذلك أيضا جعلهم (عليهم السلام) مناط النجاسة والطهارة هو التغير وعدمه في تلك الأحاديث المسؤول فيها عن مثل وقوع الميتة والجيفة وأبوال الدواب ونحوها مما يكون مغيرا للماء وإن كثر غالبا، دون جعله مناطا لهما في مثل قطرة من بول أو دم أو منقار طير فيه دم أو إصبع فيها قذر أو نحو ذلك إذا لاقت تلك المياه القليلة.
فإن من الجائز بلوغ الماء في القلة في بعض الأحيان إلى أن يكون متغيرا بأحد تلك النجاسات إذا لاقته، فينبغي أن يجعل ذلك أيضا مناطا في مثل هذه النجاسات اليسيرة