(قلت): لا ريب أن العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله سبحانه وسراج منير من جهته جل شأنه، وهو موافق للشرع، بل هو شرع من داخل كما أن ذلك شرع من خارجه، لكن ما لم تغيره غلبة الأوهام الفاسدة، وتتصرف فيه العصبية أو حب الجاه أو نحوهما من الأغراض الكاسدة، وهو قد يدرك الأشياء قبل ورود الشرع بها فيأتي الشرع مؤيدا له، وقد لا يدركها قبله ويخفى عليه الوجه فيها فيأتي الشرع كاشفا له ومبينا، وغاية ما تدل عليه هذه الأدلة مدح العقل الفطري الصحيح الخالي من شوائب الأوهام العاري من كدورات العصبية، وأنه بهذا المعنى حجة إلهية، لادراكه بصفاء نورانيته وأصل فطرته بعض الأمور التكليفية، وقبوله لما يجهل منها متى ورد عليه الشرع بها، وهو أعم من أن يكون بادراكه ذلك أولا أو قبوله لها ثانيا كما عرفت.
ولا ريب أن الأحكام الفقهية من عبادات وغيرها كلها توقيفية تحتاج إلى السماع من حافظ الشريعة، ولهذا قد استفاضت الأخبار كما قد مر بك الإشارة إلى شطر منها في المقدمة الثالثة (1) بالنهي عن القول في الأحكام الشرعية بغير سماع منهم (عليهم السلام) وعلم صادر عنهم (صلوات الله عليهم) ووجوب التوقف والاحتياط مع عدم تيسر طريق العلم ووجوب الرد إليهم في جملة منها، وما ذاك إلا لقصور العقل المذكور عن الاطلاق على أغوارها واحجامه عن التلجج في لجج بحارها، بل لو تم للعقل الاستقلال بذلك لبطل إرسال الرسل وانزال الكتب، ومن ثم تواترت الأخبار ناعية على أصحاب القياس بذلك.
ومن الأخبار المؤكدة لما ذكرنا رواية أبي حمزة عن أبي عبد جعفر (عليه السلام)