أبلغ، فحكمنا حينئذ بدليل العقل " ثم قال المحقق (قدس سره) بعد كلام في البين:
" أما نحن فقد فرقنا بين الماء والخل فلم يرد علينا ما ذكره علم الهدى ".
فانظر إلى موافقته لعلم الهدى فيما نقله عنه من أصالة العمل بدليل العقل في الفروع الشرعية وإنما نازعه في هذا الجزئي وحصول الفرق فيه بين الفردين المذكورين، وستأتيك هذه المسألة في مبحث الماء المضاف إن شاء الله تعالى.
وبالجملة، فكلامهم تصريحا في مواضع وتلويحا في أخرى متفق الدلالة على ما نقلنا.
ولم أر من رد ذلك وطعن فيه سوى المحدث المدقق السيد نعمة الله الجزائري (طيب الله مرقده) في مواضع من مصنفاته: منها كتاب الأنوار النعمانية، وهو كتاب جليل يشهد بسعة دائرته وكثرة اطلاعه على الأخبار وجودة تبحره في العلوم والآثار.
حيث قال فيه ونعم ما قال، فإنه الحق الذي لا تعتريه غياهب الاشكال:
" إن أكثر أصحابنا قد تبعوا جماعة من المخالفين من أهل الرأي والقياس ومن أهل الطبيعة والفلاسفة وغيرهم من الذين اعتمدوا على العقول واستدلالاتها، وطرحوا ما جاءت به الأنبياء (عليهم السلام) حيث لم يأت على وفق عقولهم، حتى نقل أن عيسى (على نبينا وآله وعليه السلام) لما دعا أفلاطون إلى التصديق بما جاء به أجاب بأن عيسى رسول إلى ضعفة العقول، وأما أنا وأمثالي فلسنا نحتاج في المعرفة إلى إرسال الأنبياء. والحاصل أنهم اعتمدوا في شئ من أمورهم إلا على العقل، فتابعهم بعض أصحابنا وإن لم يعترفوا بالمتابعة، فقالوا: إنه إذا تعارض الدليل العقلي والنقلي طرحنا النقلي أو تأولناه بما يرجع إلى العقل. ومن هنا تراهم في مسائل الأصول يذهبون إلى أشياء كثيرة قد قامت الدلائل النقلية على خلافها. لوجود ما تخيلوا أنه دليل عقلي، كقولهم بنفي الاحباط في العمل تعويلا على ما ذكروه في محله من مقدمات لا تفيد ظنا