واعترض بعض الفضلاء على عد الدلالة الالتزامية بأقسامها الثلاثة من المنطوق واختار دخولها في المفهوم، محتجا بأن المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق. والمفهوم ما دل عليه لا في محله، والمطلوب بالدلالة الالتزامية ليس مدلولا عليه في محل النطق.
والثاني - وهو دلالة اللفظ لا في محل النطق، وتسمى دلالة المفهوم - قسمان:
مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة، لأن حكم غير المذكور إما موافقة لحكم المذكور نفيا واثباتا أو لا، والأول الأول والثاني الثاني.
فالقسم الأول يسمى بفحوى الخطاب ولحم الخطاب. ومثلوه بقوله تعالى: " فلا تقل لهما أف.. " (1) فإنه يعلم من حال التأفيف وهو محل النطق حال الضرب وهو غير محل النطق ويعلم اتفاقهما في الحرمة، وقوله سبحانه: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " (2) فإنه يعلم منه حال ما زاد على الذرة والمجازاة عليه، ومرجعه إلى التنبيه بالأدنى أي الأقل مناسبة على الأعلى أي الأكثر مناسبة، وهو حجة إذا كان قطعيا، بمعنى قطعية العلية في الأصل كالاكرام في منع التأفيف وعدم تضييع الاحسان والإساءة في الجزاء، وكون العلة أشد مناسبة في الفرع. وأما إذا كان ظنيا فيدخل في باب القياس المنهي عنه، كما يقال: يكره جلوس الصائم المجبوب في الماء لأجل ثبوت الكراهة للمرأة الصائمة. لعدم علم كون علة الكراهة للمرأة هو جذب الفرج الماء.
والقسم الثاني ويسمى دليل الخطاب - ينقسم إلى مفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم الصفة. ومفهوم الحصر. ومفهوم العدد. ومفهوم الزمام والمكان وقد وقع الخلاف بين الأصوليين من أصحابنا وغيرهم في حجية المفهوم بجميع