ألا ترى ان قوله " وممن حولكم من الاعراب منافقون " (1) لم يقرب المنافقون الذين حولهم فيه قرب المخالطين لهم حيث يحضرونه ويشهدونه في مشاهدهم.
قال الحسن يقول الذي " أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها " إلى قوله " ابتغاء حلية " الذهب والفضة والمتاع والصفر والحديد " كذلك يضرب الله الحق والباطل " كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد، فيخلص خالصه، " كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " قال فكذلك الحق بقي لأهله فانتفعوا به.
وقرأ الحسن " بقدرها " بتخفيف الدال وهما لغتان يقال أعطى قدر شبر وفي المصدر بالتخفيف لا غير تقول: قدرت أقدر قدرا، وفي المثل التخفيف، والتثقيل تقول: هم يختصمون في القدر بالسكون والحركة قال الشاعر:
الا يا لقوم للنوائب والقدر * وللامر يأتي المرء من حيث لا يدري (2) أخبر الله تعالى انه هو الذي ينزل من السماء ماء يعني الأمطار والغيوث، فتسيل هذه المياه أودية بقدرها من القلة والكثرة. والسيل جري الماء من الوادي على وجه الكثرة. يقال جاء السيل يغرق الدنيا، وسال بهم السيل إذا جحفهم بكثرته. والوادي سفح الجبل العظيم المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر، ومنه اشتقاق الدية، لأنه جمع المال العظيم الذي يؤدى عن القتيل، والقدر إقران الشئ بغيره من غير زيادة ولا نقصان. والوزن يزيد وينقص، فإذا كان مساويا، فهو القدر.
وقوله " فاحتمل السيل زبدا رابيا " فالاحتمال رفع الشئ على الظهر بقوة الحامل له، ويقال علا صوته على فلان فاحتمله، ولم يغضبه، فقوله هذا يحتمل وجهين: معناه له قوة يحمل بها الوجهين، والزبد وضر الغليان، وهو خبث الغليان ومنه زبد القدر، وزبد السيل، وزبد البعير. والجفاء ممدود مثل الغثاء وأصله