يقول الله تعالى إن من وصفه بالصفات المذكورة " لهم عقبى الدار " وهي " جنات عدن " قال الزجاج: (جنات) بدل على قوله " عقبى الدار " والجنات البساتين التي يحفها الشجر واحدها جنة وأصله الستر من قوله " جن عليه الليل " (1) وجنه إذا ستره. و (العدن) الإقامة الطويلة، عدن بالمكان إذا أقام به يعدن عدنا، ومنه المعادن التي يخرج منها الذهب والفضة وغيرهما.
وقوله " ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " اي ويدخل هذه الجنات الذين عملوا الصالحات من آباء المؤمنين، ومن أزواجهم وذرياتهم. والصلاح استقامة الحال إلى ما يدعو إليه العقل أو الشرع. والمصلح من يفعل الصلاح، والصالح المستقيم الحال في نفسه.
وقوله " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " اي يدخلون من كل باب بالتحية والكرامة، وفي ذلك تعظيم الذكر للملائكة. وفي الآية دلالة على أن ثواب المطيع لله سروره بما يراه في غيره من أحبته، لأنهم يسرون بدخول الجنة مع من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وهم أولادهم، وذلك يقتضي سرورهم بهذا الخبر. وقوله " سلام عليكم بما صبرتم " اي يقول هؤلاء الملائكة الداخلون عليهم " سلام عليكم. والسلام التحية بالكرامة على انتفاء كل امر يشوبه من مضرة.
والقول محذوف لدلالة الكلام عليه. والعقبى الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر، فعقبى المؤمن الجنة فهي نعم الدار، وعقبى الكافر النار، وهي بئس الدار. و (الباء) في قوله " بما صبرتهم " يتعلق بمعنى " سلام عليكم " لأنه دل على السلامة لكم بما صبرتم، ويحتمل ان يتعلق بمحذوف، وتقديره هذه الكرامة لكم بما صبرتم.
وقيل في معنى " بما صبرتم " قولان:
أحدهما - أن تكون (ما) بمعنى المصدر، فكأنه قال: بصبركم.
والثاني - أن تكون بمعنى (الذي) كأنه قال بالذي صبرتم على فعل طاعاته وتجنب معاصيه.