ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدهم وهم أكثر منهم أضعافا فلما أشفوا على المرج كبروا. ثم أكبوا رواحلهم في الطريق فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث ومضوا على ذلك.
ثم جاءت الرعلة الثالثة من بعدهم وهم أكثر منهم أضعافا فلما أشفوا على المرج كبروا، ثم أكبوا رواحلهم في الطريق وقالوا: هذا خير المنزل فمالوا في المرج يمينا وشمالا.
فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى أتيت أقصى المرج فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة وإذا عن يمينك رجل طوال آدم أقنى، إذا هو تكلم يسمو، يفرع الرجال طولا وإذا عن يسارك رجل ربعة تار أحمر كثير خيلان الوجه، إذا هو تكلم أصغيتم إليه إكراما له وإذا أمام ذلك شيخ كأنكم تقتدون به وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف، وإذا أنت كأنك تبعثها يا رسول الله.
قال: فانتفع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سري عنه. فقال: أما ما رأيت من الطريق الرحب اللاحب السهل فذلك ما حملتكم عليه من الهدى فأنتم عليه.
وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها لم نتعلق بها ولم تردنا ولم نردها.
وأما الرعلة الثانية والثالثة وقص كلامه فإنا لله وإنا إليه راجعون وأما أنت فعلى طريقة صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني.
وأما المنبر فالدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا في آخرها ألفا.
وأما الرجل الطوال الآدم فذلك موسى، نكرمه بفضل كلام الله إياه.
وأما الرجل الربعة التار الأحمر فذلك عيسى نكرمه بفضل منزلته من الله.
وأما الشيخ الذي رأيت كأنا نقتدي به فذلك إبراهيم.
وأما الناقة العجفاء الشارف التي رأيتني أبعثها فهي الساعة، تقوم علينا، لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي.
قال: فما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا أحدا عن رؤيا إلا أن يجئ الرجل متبرعا فيحدثه بها.
اللاحب: الطريق الواسع المنقاد الذي ينقطع.
أشفى بهم: أشرف بهم.