يا معاوية! المؤمنون في الناس قليل، وإن أمر بني إسرائيل أعجب حيث قالت السحرة لفرعون: ﴿فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحيوة الدنيا * إنا آمنا بربنا﴾ (١)، فآمنوا بموسى وصدقوه واتبعوه، فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل، فأقطعهم البحر وأراهم الأعاجيب، وهم يصدقون به وبالتوراة، يقرون له بدينه فمر بهم على قوم يعبدون أصناما لهم فقالوا: ﴿يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة﴾ (٢).
ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون وأهل بيته، وقال لهم السامري: ﴿هذا إلهكم وإله موسى فنسى﴾ (٣). وقال لهم بعد ذلك: ﴿ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم﴾ (٤)، فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه: ﴿إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون﴾ (٥)، قال موسى: ﴿رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين﴾ (6).
فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء، وقد كانت فضائل وسوابق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنازل منه قريبة، مقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم (صلى الله عليه وآله)، فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا، وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل لقوا الله عزوجل على دينهم وإيمانهم، ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم