فلما سمع الديراني ذلك اندهش ووقع مغشيا عليه، فلما أفاق نزل إلى البيت وكسر الصندوق واستخرج الرأس وغسله وحنطه بالكافور والمسك والزعفران، ووضعه في قبلته، وهو يبكي ويقول: يا رأس من رؤوس بني آدم! ويا كريم! ويا عظيم جميع من في العالم! أظنك من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل، وأنت الذي أعطاك فضل التأويل، لأن خواتين السادات من بني آدم في الدنيا والآخرة يبكين عليك ويندبنك، أنا أريد أن أعرفك باسمك ونعتك.
فنطق الرأس بقدرة الله تعالى وقال: أنا المظلوم، أنا المهموم، أنا المغموم أنا الذي بسيف العدوان والظلم قتلت، أنا الذي بحرب أهل البغى ظلمت، أنا الذي على غير جرم نهبت، أنا الذي من الماء منعت، أنا الذي عن الأهل والأوطان بعدت.
فقال صاحب الدير: بالله عليك، أيها الرأس! زدني.
فقال: إن كنت تسأل عن حسبي ونسبي، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن على المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا بن خديجة الكبرى، أنا ابن العروة الوثقى، أنا شهيد كربلاء، أنا قتيل كربلاء، أنا مظلوم كربلاء، أنا عطشان كربلاء أنا ظمآن كربلاء، أنا غريب كربلاء، أنا وحيد كربلاء، أنا سليب كربلاء، أنا الذي خذلوني الكفرة بأرض كربلاء.
قال الراوي: فلما سمع صاحب الدير من رأس الحسين (عليه السلام) ذلك جمع تلامذته وحكى لهم الحكاية وكانوا سبعين رجلا، فضجوا بالبكاء والعويل، ورموا العمائم عن رؤوسهم، وشقوا أزياقهم، وجاؤا إلى سيدنا زين العابدين (عليه السلام) وقد قطعوا الزنار، وكسروا الناقوس، واجتنبوا فعل اليهود والنصارى، وأسلموا على يديه، وقالوا: يا ابن رسول الله! مرنا أن نخرج إلى هؤلاء الكفار ونقاتلهم ونجلي صداء قلوبنا بهم،