قال: كان شخص في العراق قد تباغى وخرج على يزيد بن معاوية وجمع العساكر، فبعث عسكرا عظيما فقتلوهم، وهذه رؤوسهم، وهذه النسوة سبيهم.
قال الراوي: فلما نظر القسيس إلى رأس الحسين (عليه السلام) وإذا بالنور ساطع منه إلى عنان السماء فوقع في قلبه هيبة منه، فقال القسيس: ديرنا ما يسعكم، بل ادخلوا الرؤوس والسبايا إلى الدير وأحيطوا بالدير من خارج، فإذا دهمكم عدو قاتلوه ولا تكونوا مضطربين على الرؤوس والسبايا. فاستحسنوا كلام القسيس وقالوا: هذه هو الرأي، فحطوا رأس الحسين (عليه السلام) في صندوق وقفلوه وأدخلوه إلى الدير والنساء وزين العابدين، وجعلوهم في مكان يليق بهم.
قال: ثم أن صاحب الدير أراد أن يرى الرأس الشريف، وجعل ينظر حول البيت الذي فيه الصندوق، وكان له رازونة، فحط رأسه فيها، فرأى البيت يشرق نورا! ورأى أن سقف البيت قد انشق ونزل من السماء تخت عظيم، وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت، وإذا بشخص يصيح: أطرقوا ولا تنظروا، وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء، وإذا هن حواء وسارة وأم إسماعيل وأم يوسف وأم موسى ومريم وآسية ونساء النبى (صلى الله عليه وآله).
قال: فأخرجن الرأس من الصندوق، وكل من تلك النساء واحدة بعد واحدة يقبلن الرأس الشريف، فلما وقعت النوبة لمولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) غشي عليها وغشي على صاحب الدير، وعاد لا ينظر بالعين بل يسمع الكلام، وإذا بقائلة تقول:
السلام عليك يا قتيل الأم! السلام عليك يا مظلوم الأم! السلام عليك يا شهيد الأم! لا يتداخلك هم ولا غم، وإن الله تعالى سيفرج عني، وعنك يا بنى! من ذا الذي فرق بين رأسك وجسدك؟ يا بنى! من ذا الذي قتلك وظلمك؟ يا بنى! من ذا الذي سبى حريمك؟ يا بني! من ذا الذي أيتم أطفالك؟ ثم إنها بكت بكاء شديدا.