الدار على قدر كمالاتهم التي حصولها في هذه الدار الفانية، والمدة الزائلة في موقف صف النعال، 1 وأنت الآن قادر على درك الكمال، ما هذا إلا قصور في العقل أو سبات. نعوذ بالله من سنة الغفلة وسوء الزلة.
وهذا كله على تقدير سلامتك في تلك الدار من عظيم الاخطار وعذاب النار، وأنى لك بالأمان من ذلك؟ وقد عرفت أن أكثر هذه العلوم واجب إما على الأعيان أو الكفاية، وأن الواجب الكفائي إذا لم يقم به من فيه كفاية يأثم الجميع بتركه، ويصير حكمه في ذلك كالواجب العيني.
وأين القائم في هذا الزمان بل في أكثر الأزمان بالواجب من تحصيل هذه العلوم الشرعية، والحاصل على درجتها المرضية؟ سيما التفقه في الدين، فإن أقل مراتبه وجوبه على الكفاية، وأدنى ما يتأدى به هذا الواجب أن يكون في كل قطر منه قائم به ممن فيه كفاية، وهذا لا يحصل إلا مع وجود خلق كثير من الفقهاء في أقطار الأرض ومتى اتفق ذلك في هذه الأزمنة؟
هذا مع القيام بما يلزمه من العلوم، والكتب التي يتوقف عليها من الحديث وغيره، وتصحيحها وضبطها، وكل هذا أمر معدوم في هذا الزمان، فالتقاعد عنه والاشتغال بغير العلم، ومقدماته، قد صار من أعلم العصيان، وإن كان بصورة العبادة من دعاء أو قراءة قرآن، فأين السلامة من أهوال القيامة للقاعد عن الاشتغال بالعلوم الشرعية على تقدير رضاه بهمته الخسيسة عن ارتقاء مقام أهل الدرجة العلية؟!
واعتبر ثالثا [ظ: ثانيا] على تقدير السلامة من ذلك كله أن امتيازك عن سائر جنسك من الحيوانات ليس إلا بهذه القوة العاقلة، التي قد خصك الله بها من بينها، [المميزة] بين الخطأ والصواب، الموجبة لتحصيل العلوم النافعة لك في هذه الدار وفي دار المآب، فقعودك عن استعمالها فيما خلقت له، وانهما كل في مهلكك