ويجوز له تركه رأسا؟ لا أظن أن أحدا يلتزم بذلك.
ولا يخفى أن الحكومة من هذا القبيل; فتأمل في أدلتها الدالة على ضرورتها و اهتمام الشارع بها وعدم جواز تعطيلها ولاسيما مثل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): " هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر. " (1) وقوله (عليه السلام): " وال ظلوم خير من فتنة تدوم. " (2) إلى غير ذلك من الأدلة.
وعلى هذا فلا يجوز تعطيل الحكومة على أي حال ولكن يجب رعاية الشرائط مهما أمكن. ومع عدم التمكن من الواجد للجميع يجب رعاية الأهم فالأهم من ناحية نفس الشرائط ومن ناحية الظروف والحاجات. فالعقل والإسلام وقوة التدبير بل و العدالة من أهم الشرائط، كما أن الحاجات والظروف أيضا كما أشار إليه الماوردي و أبو يعلى مختلفة. والتشخيص لا محالة محول إلى الخبراء في كل عصر ومكان.
ومن أهم موارد التزاحم وأكثرها ابتلاء التزاحم بين الفقاهة، وبين القوة وحسن التدبير كما تعرض له ابن سينا وإن ناقشنا في مثاله.
ولعل الثاني أهم، إذ النظام وتأمين المصالح ودفع الكفار والأجانب لا تحصل إلا بالقوة وحسن التدبير والسياسة. وحيث فرض تحقق الإسلام والعدالة فيه فهما يلزمانه قهرا بتعلم الأحكام من أهلها وعدم الإقدام بغير علم.
ويمكن أن يفصل بحسب الشرائط وبحسب الأزمنة والأمكنة، كما قال الماوردي وأبو يعلى.
فقد تكون الأوضاع بحرانية متأزمة والأجواء السياسية مسمومة، فيكون الاحتياج إلى القوة وحسن التدبير أكثر.
وقد يكون الأمر بالعكس، فتكون الشرائط والأوضاع عادية والأجواء سليمة ولكن الاحتياج إلى التقنين والتشريع والاطلاع على الموازين الإسلامية بأدلتها أو رفع الاشتباهات والبدع الظاهرة كثير جدا، فتلزم الفقاهة والاطلاع العميق على مقررات الإسلام وموازينه، فتدبر.