والدفع عن أولياء الله ورفع الفساد، فهل يمكن القول بعدم جواز ذلك لعدم كونهم معصومين، وأنه إنما يجب عليهم البقاء تحت سيطرة هارون وأمثاله من الظالمين و المفسدين فقط ليدفعوا خفية وتقية عن بعض الأولياء؟! لا نظن أن أحدا يلتزم بذلك.
فالحق أن يقال: إنه مع وجود الإمام المعصوم والتمكن منه لا يجوز لغيره تقمص الخلافة والإمارة قطعا، وعلى هذه الصورة تحمل الأخبار المذكورة ولكن مع عدم التمكن منه - بأي دليل كان، كما في عصر الغيبة - يجب أن ينوب عنه الفقهاء العدول الأقوياء بقدر الكفاية، لعدم رضا الله - تعالى - بتعطيل شؤون الإمامة.
بل قد عرفت منا سابقا أن حفظ بيضة الإسلام ونظام المسلمين أهم بمراتب من حفظ أموال الغيب والقصر وغير ذلك من الأمور الحسبية الجزئية التي يعلم بعدم رضا الشارع بإهمالها. وقد أفتي الفقهاء بالتصدي لها من قبل الفقيه، فإن لم يكن فعدول المؤمنين، بل وفساقهم أيضا مع عدم العدول. فالحكم ثابت بنحو الترتيب.
وقد اشعر خبر سليم، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا بهذا الترتيب. ففيه: " والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل... أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ورجلا ولا يبدؤوا بشئ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة يجمع أمرهم... هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه: أن يختاروا إماما يجمع أمرهم إن كانت الخيرة لهم ويتابعوه ويطيعوه، وإن كانت الخيرة إلى الله - عزوجل - والى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في ذلك والاختيار. " (1) إذ يظهر من الرواية تقدم الإمام المعصوم الذي اختاره الله، ولكن مع عدم التمكن منه - بأي دليل كان - فالإمامة وأحكامها لا تعطل، ولا تفوض أمور المسلمين و كيانهم إلى الكفار والصهاينة والطواغيت العتاة. بل تصل النوبة إلى الإمام المنتخب من قبل الأمة، ويجب الإقدام على اختياره وانتخابه بشرائطه، فتدبر.