ولكن هنا ملاحظة أخرى، وهي أن أصول مسؤوليات الإمام وتكاليفه ثلاثة:
1 - بيان أحكام الله - تعالى - وحفظها من البدع والأوهام. 2 - حفظ نظام المسلمين على أساس الإسلام وإجراء أحكام الإسلام وقوانينه. 3 - إدارة أمر القضاء وفصل الخصومات.
وقد تعرض في خبر عبد العزيز للأول بقوله: " الإمام يحلل حلال الله، ويحرم حرام الله. " وللثاني بقوله: " نظام المسلمين، " إلى قوله: " ومنع الثغور والأطراف. " وذكر الثالث في خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين: لنبي (كنبي) أو وصى نبي. " (1) فهذه الثلاثة من شؤون الإمام. والإمام هو المرجع فيها أولا وبالذات. وأنت تعلم أن كل واحد من هذه الشؤون الثلاثة اتسعت دائرته بسعة أراضي الإسلام وبلاده. و الإمام المنصوب حتى في عصر الظهور أيضا لم يكن يتمكن من المباشرة لجميع الأعمال. ولا يمكن الالتزام بتعطيلها أيضا لذلك. فلا محالة يفوض كل أمر إلى شخص أو مؤسسة.
وقد دلت أخبار كثيرة على إحالة الفتيا إلى مثل أبان بن تغلب، وزكريا بن آدم، و العمري، وابنه وغيرهم من فقهاء الأصحاب.
وكذلك أمر القضاء، كما دلت عليه مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها. بل السياسة بشؤونها أيضا كذلك. فمالك الأشتر مثلا نصب حاكما على مصر من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أمره (عليه السلام) بتفويض كل عمل إلى أهله من العمال والقضاة، و لم يكن مالك وسائر الأصحاب معصومين.
فكذلك لا مانع من تفويض الأعمال الثلاثة في عصر الغيبة إلى الفقهاء العدول. و الأصحاب لا يخالفون في جواز تصدي الفقهاء لمنصبي الفتيا والقضاء في عصر الغيبة، بل يوجبون ذلك مع تطرق احتمال الخطأ وتسر به إلى ما يصدر عنهم أيضا وعدم كونهم معصومين. فلم لا يلتزمون بذلك في حفظ النظام والسياسة؟