الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٣٦
عنه لشهادة كل صفه انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه (1) فقد حده ومن حده فقد عده ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال على م فقد أخلى منه انتهى كلامه المقدس على نبينا وعليه وآله السلام والاكرام.
وهذا الكلام الشريف مع وجازته متضمن لأكثر المسائل الإلهية ببراهينها ولنشر إلى نبذ من بيان أسراره وأنموذج من كنوز أنواره.
شرح قوله ع أول الدين معرفته إشارة إلى أن معرفه الله تعالى ولو بوجه ابتداء الايمان واليقين فان ما لم يتصور شئ لا يمكن التصديق بوجوده ولهذا قيل مطلب ما الشارحة مقدم على مطلب هل كتقدم البسيط على المركب.
قوله ع وكمال معرفته التصديق به وذلك لان من عرف معنى واجب الوجود انه الوجود المتأكد الذي لا أتم منه الذي يفتقر إليه الممكنات والوجودات الناقصة الذوات المصحوبة للنقائص والاعدام والقصورات فقد عرف ان لا بد ان يكون في الوجود موجود واجب الوجود والا لم يوجد موجود في العالم أصلا واللازم باطل بالضرورة فكذا الملزوم فحقيقة الوجود (2) إذا عرفت على وجه الكمال

(1) أي في مقام الفناء البحت لا يتطرق الإشارة كما أشار ع في جواب سؤال كميل عن الحقيقة بقوله ع كشف سبحات الجلال من غير إشارة فلو أشير إليه في ذلك المقام ولو إشارة عقلية فالمشير بما هو مشير وهو مشار إليه قد جعله محدودا ولو بما عدا نفسه لأنه بما هو مشير أثبت لنفسه وجودا س قده (2) الظاهر عدم ملائمة كلمه الفاء هيهنا لان قوله وذلك لان من عرف معنى واجب الوجود الخ ظاهر في عنوان حقيقة الوجود المطابق لها لا في الحقيقة.
أقول في كلامه قده ثلاثة احتمالات أحدها ان يكون أول كلامه بيان أصل المعرفة وقوله فحقيقة الوجود إلى آخره بيان كمال المعرفة وهذا مع كونه خلاف الظاهر غير جائز لأنه ع لم يجعل أصل المعرفة مستلزما للتصديق وقوله قده فقد عرف ان لا بد ان يكون في الوجود موجود واجب الوجود صريح في الاستلزام وثانيها وهو مناسب للتفريع بالفاء ان يكون أول الكلام كآخره محمولا على العلم الحضوري كما هو ظاهر لفظ عرف لان المعرفة هي العلم بالجزئيات والوجود هو التشخص والمعنى بالمعنى هو الحقيقة لا المفهوم الكلى حينئذ وثالثها ان يكون أول الكلام محمولا على كمال المعرفة ولكن بنحو العلم الحصولي وآخره ترقيا على سبيل التفريع إلى كمال المعرفة بنحو العلم الحضوري وهو أظهر لمكان لفظ المعنى ولأنه لم يقل بعد قوله لان من عرف معنى واجب الوجود إلى آخره وعرف ذلك الوجود ولأنه استدل بقوله والا لم يوجد إلى آخره وصاحب العرفان الحضوري في غيبه عن نور البرهان الفائض من عند البرهان على كل شئ بذات ذلك البرهان وهذا الاستدلال من العارف لا من المصنف قده بخلاف قوله فيما بعد لان ما هو إلى آخره فإنه من المصنف.
ثم بيان كلامه قده على الاحتمال الثالث ان من عرف تصورا مفهوم واجب الوجود الكلى الخارج من قسمه الموجود إلى موجود إذ لاحظه العقل مجردا عما سواه وجده منتزعا منه الموجودية ومستحقا لحمل موجود وهو الواجب تعالى والى موجود ليس كذلك بل يفتقر فيه إلى انتسابه إلى شئ أو ارتباطه أو غير ذلك بل هو محض الانتساب الاشراقي والارتباط الوجودي وهو الممكن فهذه المعرفة بالموجود الأول تستلزم التصديق بوجوده لان الموجود الذي محض الفقر والربط به موجود ثم ترقى وقال إذا كانت هذه المعرفة مستلزمه للتصديق به فكيف لا يستلزم معرفه حقيقة الوجود التي هي معنون ذلك المفهوم بالعلم الحضوري إياه.
ان قلت العلم الحضوري منحصر في موردين أحدهما علم الشئ بنفسه وثانيهما علم الشئ بمعلوله وحقيقة الوجود ليست معلوله للعارف بالحق تعالى ولا عينا له فكيف يعلم حقيقة الوجود بالعلم الحضوري.
قلت العلم الحضوري بحقيقة الوجود يمكن بنحو علم الفاني بالمفنى فيه وفي الحقيقة لم يتخلل بين وجود العارف وحقيقة الوجود بل بين وجود ووجود أجنبي وما به الامتياز عين ما به الاشتراك فيه وليس المبعد الا الذهول وهو يزول بالفناء - س قده.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست