لا تكون أمورا خارجه عن صقع الربوبية (1) كما ظنه الاتباع والمقلدون فهذا المذهب كما هو المشهور إذا أزيل عنه هذا الخلل والقصور يعود إلى ما قررنا فالظن بأولئك الكبراء المتقدمين ان رأى أفلاطون وأرسطاطاليس في باب العلم شئ واحد والخلل في كل منهما نشأ من تحريفات الناقلين والمفسرين أو من سوء فهم الناظرين في كلامهما أو قصور الفكر عن البلوغ إلى درك ما أدركاه وتعقل ما تعقلاه لان المطلب بعيد السمك عظيم الرفعة شديد اللطافة تكل الأذهان عن فهمه و تدهش القلوب عن سماعه وتخفش العيون عن ضوئه.
ثم اعلم أن أبا نصر الفارابي قد حاول الجمع بين هذين المذهبين في كتابه المسمى باتفاق رأى الحكيمين فجمعهما بما ليس ببعيد عن الصواب بل هو قريب مما قررناه فقال ما ملخصه انه لما كان الباري جل ثناؤه بآنيته وذاته مباينا لجميع ما سواه وذلك بمعنى أشرف وأفضل وأعلى بحيث لا يناسبه في آنيته ولا يشاكله ولا يشبهه شئ حقيقة ولا مجازا ثم مع ذلك لم يكن بد من وصفه واطلاق لفظه فيه من هذه الألفاظ المتواطئة عليه فان من الواجب الضروري ان يعلم أن معنى كل لفظه نقولها في شئ من أوصافه بذاته بعيد عن المعنى الذي نتصوره من تلك اللفظة وذلك كما قلنا بمعنى أشرف وأعلى حتى إذا قلنا إنه موجود علمنا مع ذلك أن وجوده ليس كوجود سائر ما هو دونه وإذا قلنا إنه حي علمنا أنه حي بمعنى أشرف مما نعلمه من الحي الذي هو دونه وكذلك الامر في سائرهما ومهما استحكم هذا المعنى وتمكن في