الفلك الأقصى الجسماني المذكور ومن عرش الرحمن هو ما يحاذيه من عالم المثال وهو الفلك الكلى المثالي والعلم عند الله وبالجملة كلما يفتح الله من رحمته لخلقه في هذا العالم يدخل عليهم من باب السماء العليا ومن أبواب السماوات وكل من دخل الجنة أو عرج إلى الله لا بد ان يلج ملكوت السماوات وينفذ من أقطارها حتى ينتهى إلى سدره المنتهى ويخرج من بابها إلى ذلك العالم.
واعلم أن الكلمات النازلة من الحق تنزل إلى هذا المنتهى أحدية غير منقسمة فتنقسم بعد هذا المنزل قسمه خارجية إلى الغيب والشهادة والصورة والمعنى والدنيا والآخرة ولهذا يقال للكرسي موضع القدمين المتدليين أحدهما إلى عالم الجنان وهي المشار إليها بقوله تعالى ان لهم قدم صدق عند ربهم والأخرى قدم الجبار المشار إليها بقوله ص حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول قطني يا رب فإحدى القدمين تعطى ثبوت أهل الجنات في جناتهم وهي قدم الصدق والأخرى تعطى ثبوت أهل الجحيم في جحيمهم وهي قدم الجبروت والى هذا المنتهى ينتهى صحائف اعمال بني آدم واما صحائف علومهم فقد يتجاوز منه وينتهي إلى الله كما قال تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.
ثم اعلم أن الله أنشأ الأفلاك الباقية بعضها فوق بعض إلى العناصر ورتبها ترتيب مدبراتها العلوية في اللطافة والكثافة فالعالم كله كجوهرة واحده ذات طبقات متدرجة في اللطافة والنورية فكل ما هو أعلى فهو الطف وأنور وكل ما هو أدنى فهو أكثف واكدر حتى ينتهى في أحد الجانبين إلى نور الأنوار وفي الجانب الآخر إلى أسفل السافلين والكل منازل ومراحل إلى الله وبوجه آخر مراتب علمه وبوجه مظاهر صفاته وآيات جماله وجلاله وبوجه أنوار وجهه وأشعة كماله وظلال قهره.
دقيقه اشراقية واعلم أن عالم الشهادة كالقشر بالإضافة إلى عالم الملكوت وكالقالب بالقياس إلى الروح وكالظلمة بالنسبة إلى النور وهكذا كل طبقه من الملكوت الاعلى والأسفل بالنسبة إلى فوقها على هذا المثال وكما أن الأنوار المحسوسة السماوية التي تقتبس منها الأنوار الأرضية قد يكون لها ترتب بحيث يقتبس بعضها من بعض فالأقرب من المنبع