وأما دعوى الإجماع على أن المستأجر يملك ما يحوزه أجيره.. فهي دعوى غير مقطوع بصحتها. ولو سلمناها لما كفى الاجماع المذكور لإثبات الملكية في موضوع البحث، لأن من المحتمل استناد كثير من المجمعين إلى الاعتقاد بأن قواعد الإجارة تقتضي ذلك، إيمانا منهم بالملازمة بين ملكية الحيازة وملكية موضوعها. وحيث ان لا نقر هذا الأساس، فلا يكون الاجماع بالنسبة الينا تعبديا.
الثالث: إن السيرة العقلائية - أو العرف العام - قائمة على تملك المستأجر لما يحوزه الأجير من أموال.
ويمكن لأحد أن يقول /: ان هذه السيرة لم تتوفر لدينا الأسباب التي تكفي للعمل بوجودها وامتدادها وانتشارها في عصر التشريع، إلى درجة يستكشف امضاؤها من عدم وصول الردع عنها.
وإذا اعترفنا بهذه السيرة، ووجاهة الاستدلال بها فهي إنما تدل في الموارد التي يعلم بشمول السيرة لها، لأنها دليل لبي. فلا يمكن الاستدلال بها - حينئذ - إلا فيما إذا قصد الأجير بالحيازة تملك المستأجر، ولا تشمل صورة ما إذا لم يحز الأجير بنية المستأجر، لأن هذه الصورة ليست متيقنة من السيرة جزما.
الرابع: دعوة دلالة عمومات وإطلاقات صحة الإجارة على المطلوب، وذلك لأنها تدل على صحة الإجارة في موضع البحث بالمطابقة، وتدل على تملك المستأجر لما يحوزه الأجير بالالتزام، وإلا لكانت الإجارة لغوا وبلا منفعة عائدة إلى المستأجر وكانت لأجل ذلك باطلة. فصحتها ملازمة مع تملك المستأجر للمال المحاز.
ويرد عليه: أولا: إن انتفاع المستأجر بعمل الأجير لا ينحصر بتملكه للمال المحاز، بل قد يتعلق غرض عقلائي بنفس الحيازة، واقتطاع الخشب من الغابة أو بتملك الأجير نفسه. فالإجارة ليست سفهية على أي حال.
وثانيا: أنه لو سلم كون الإجارة، فلا يصح التمسك بهذه الأدلة