وجعل تنمية الثروة والاستمتاع بالطبيعة إلى أقصى حد ممكن مذهبيا هدفا للمجتمع، يضع في ضوئه سياسته الاقتصادية، التي يحددها الإطار المذهبي العام من ناحية، والظروف والشروط الموضوعية للمجتمع من ناحية أخرى، وتمارس الدولة تنفيذها ضمن تلك الحدود.
ومبدأ تنمية الإنتاج هذا يمكننا أن نلمحه بوضوح من خلال التطبيق في عهد الدولة الإسلامية، وفي التعليمات الإسلامية الرسمية التي لا يزال التاريخ يحتفظ بشيء منها حتى الآن، فمن تلك التعليمات البرنامج الذي وضعه أمير المؤمنين علي (ع) لواليه على مصر محمد بن أبي بكر، وأمره بالسير عليه وتطبيقه. ففي أمالي الشيخ الطوسي أن أمير المؤمنين لما ولى محمد بن أبي بكر مصر، كتب له كتابا وأمره أن يقرأه على أهل مصر، وأن يعمل بما احتواه وقد كتب الإمام في هذا الكتاب يقول:
(يا عباد الله إن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم أباح لهم الله الدنيا ما كفاهم به وأغناهم، قال الله عز وجل: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون} (1) سكنوا الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبان ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا، وهم غدا جيران الله يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون، لا ترد لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق من كان له عقل ويعمل له بتقوى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله) (2).