وحين أعطى الإسلام للملكية الخاصة مفهوم الخلافة ن جردها عن كل الامتيازات المعنوية التي اقترنت بوجودها على مر الزمن، ولم يسمح للمسلم بأن ينظر إليها بوصفها مقياسا للاحترام والتقدير في المجتمع الإسلامي، ولا أن يقرنها بنوع من القيمة الاجتماعية في العلاقات المتبادلة، حتى جاء في الحديث عن الإمام علي بن موسى الرضا أن (من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان (1)) وندد القرآن الكريم تنديدا رائعا بالأفراد الذين يقيسون احترامهم للآخرين وعنايتهم بهم مقاييس الثروة والغنى فقال: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى} (2) وبهذا أعاد الإسلام الملكية إلى وضعها الطبيعي وحقلها الأصيل بوصفها لونا من ألوان الخلافة وصممها ضمن الإطار الإسلامي العام بشكل لا يسمح لها بأن تعكس وجودها على غير ميدانها الخاص، أو تخلق مقاييس مادية للاحترام والتقدير لأنها خلافة وليست حقا ذاتيا.
وفي الصور الرائعة التي يتحدث فيها القرآن الكريم عن مشاعر الملكية الخاصة وانعكاساتها في النفس البشرية، ما يكشف بوضوح عن إيمان الإسلام بأن مشاعر الامتياز ومحاولات التمديد للملكية الخاصة إلى غير مجالها الأصيل تنبع في النهاية من الخطأ في مفهوم الملكية واعتبارها حقا ذاتيا لا خلافة لها مسؤولياتها ومنافعها.
ولعل من أروع تلك الصور قصة الرجلين اللذين اغنى الله أحدهما واستخلفه على جنتين من جنات الطبيعة {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} إيمانا منه بأن ملكيته تبرر هذا اللون من التعالي والتسامي الذي واجه به