ونحن حين نقتبس من فقه الشيخ الطوسي مبدأ ملكية الإمام، بهذا المعنى الذي يسمح له بفرض الخراج على ما يحيى من الأراضي الميتة... إنما ندرس الموقف على الصعيد النظري فحسب، إذ توجد من الناحية النظرية - كما عرفنا - مبررات لاستنباط هذا المبدأ من النصوص التشريعية.
وأما على صعيد التطبيق فلم يؤخذ بهذا المبدأ عمليا في الإسلام، بل جمد في المجال التطبيقي ورفع بصورة استثنائية عن بعض الأشخاص وفي بعض الأزمنة، كما تدل عليه بأخبار التحليل. وتجميد المبدأ هذا على صعيد التطبيق وفي السيرة النبوية المقدسة.. لا يمكن أن يعتبر دليلا على عدم صحته نظريا. فإن من حق النبي (ص) العفو عن الطسق وممارسته لهذا الحق لا تعني عدم السماح لإمام متأخر بالعمل بهذا المبدأ. أو تطبيقه، حين تزول الظروف التي كانت تمنع عن ذلك. كما أن النصوص التي ترفع مفعول هذا المبدأ عن بعض الأشخاص بصورة استثنائية، لا تمنع عن اعتباره قاعدة يمكن الأخذ بها في غير مجالات استثنائها، التي شرحتها أخبار التحليل.
وما دمنا في دراستنا هذه نحاول التعرف على النظرية الاقتصادية في الإسلام، فمن حقنا أن نستوعب في دراستنا هذا المبدأ، ما دام له أساس إسلامي من الناحية النظرية، فهو جزء من الصورة الكاملة التي تعبر عن النظرية الإسلامية في المجال الذي ندرسه، سواء أخذ نصيبه من التطبيق أو اضطرب ظروف قاهرة أو مصلحية لإهماله.
وعلى ضوء ما قدمناه، يتبين الفرق بين المزارع الذي يعمل في قطاع الملكية العامة، والمزارع الذي يعمل في قطاع ملكية الدولية. فإنهما وإن كانا معا لا يملكان رقبة الأرض، ولكنهما يختلفان في مدي علاقتهما بالأرض، فالمزارع الأول ليس إلا مستأجر أفحسب كما أكد الفقيه المحقق الأصفهاني في تعليقه على المكاسب - فمن حق الإمام أن ينتزع منه الأرض، ويعطيها لفرد آخر متى انتهت مدة الإجارة وأما المزارع الثاني، فهو يتمتع بحق في الأرض يخوله الانتفاع بها، ويمتع الآخرين من انتزاعها منه، ما دام قائما بحقها وعمارتها (1)