وأنا لا أريد أن أتناول بهذا الصدد موقف العالم الاشتراكي اليوم من الفئة الثالثة، ولا أحاول أن أكرر المزاعم القائلة: أن الفرد العاجز عن العمل محكوم عليه في المجتمعات الاشتراكية بالموت جوعا، لأنني أريد أن أدرس المسألة من الوجهة النظرية لا التطبيقية، ولا أريد أن أتحمل مسؤولية تلك المزاعم التي يرددها أعداء العالم الاشتراكي عنه.
فمن الناحية النظرية لا يمكن للاقتصاد الاشتراكي الماركسي أن يفسر حق الفئة الثالثة في الحياة، ويبرر حصولها على نصيب من الناتج العام في عملية التوزيع، لأن التوزيع لا يقوم في رأي الماركسية على أساس خلقي ثابت، وإنما يحدد وفقا لحالة الصراع الطبقي في المجتمع التي يمليها شكل الإنتاج السائد، ولذلك تؤمن الماركسية: أن الرق وموت الرقيق تحت السياط وحرمانه من ثمرات عمله.. كان شيئا سائغا من ظروف الصراع الطبقي بين السادة والعبيد.
وعلى هذا الأساس الماركسي يجب أن يدرس حظ الفئة الثالثة من التوزيع في ضوء مركزها الطبقي، ما دامت حظوظ الأفراد في التوزيع تحدد وفقا لمراكزهم الطبقية في المعترك الاجتماعي.
ولما كانت الفئة الثالثة مجردة عن ملكية وسائل الإنتاج وعن طاقة العمل المنتج، فهي لا تندرج ضمن إحدى الطبقتين المتصارعتين: (الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة)، ولا تشكل جزءا من الطبقة العاملة في دور انتصار العمال وإنشاء المجتمع الاشتراكي.
وإذا كان الأفراد العاجزون بطبيعتهم عن العمل منفصلين عن الصراع الطبقي بين الرأسماليين والعمال، وبالتالي عن الطبقة العاملة التي تسيطر على وسائل الإنتاج في المرحلة الاشتراكية فلا يوجد أي تفسير علمي على الطريقة الماركسية يبرر نصيب هؤلاء من التوزيع، وحقهم في الحياة وفي الثروة التي سيطرت عليها الطبقة العاملة، ما داموا خارج نطاق الصراع الطبقي.. وهكذا لا تستطيع الماركسية أن تبرر بطريقتها الخاصة ضمان حياة الفئة الثالثة ومعيشتها في المرحلة الاشتراكية.