تلك الدوافع والمصالح الحقيقية العامة للمجتمع الانساني).
وهي من ناحية أخرى تزود الانسان بإمكانية حل المشكلة عن طريق الميل الطبيعي إلى التدين، وتحكيم الدين في الحياة بالشكل الذي يوفق بين المصالح العامة والدوافع الذاتية. وبهذا أتمت الفطرة وظيفتها في هداية الانسان إلى كماله. فلو بقت تثير المشكلة ولا تموت الطبيعة الانسانية بحلها، لكان معنى هذا أن الكائن الانساني يبقى قيد المشكلة، عاجزا عن حلها، مسوقا بحكم فطرته إلى شرورها ومضاعفاتها وهذا ما قرره الإسلام بكل وضوح في قوله تعالى:
{فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. (1) فإن هذه الآية الكريمة تقرر:
أولا: إن الدين من شؤون الفطرة الإنسانية التي فطر الناس عليها جميعا، ولا تبديل لخلق الله.
وثانيا: إن هذا الدين الذي فطرت الإنسانية عليه ليس هو إلا الدين الحنيف، أي دين التوحيد الخالص، لأن دين التوحيد هو وحده الذي يمكن أن يؤدي وظيفة الدين الكبر، ويوجد البشرية على مقياس عملي وتنظيم اجتماعي، تحفظ فيه المصالح الاجتماعية. وأما أديان الشرك أو الأرباب المتفرقة على حد تعبير القرآن، فهي في الحقيقة نتيجة للمشكلة فلا يمكن أن تكون علاجا لها، لأنها كما قال يوسف لصاحبي السجن {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} (2) يعني بذلك أنها وليدة الدوافع الذاتية، التي أملت على الناس أديان الشرك طبقا لمصالحهم الشخصية المختلفة، لتصرف بذلك ميلهم الطبيعي إلى الدين الحنيف تصريحا غير طبيعي، وتحول بينهم وبين الاستجابة الصحيحة لميلهم الديني الأصيل.