وإنما سمح بها في ظرف وجود قائد معصوم، (1) يتولى قيادة الغزو وتوجيه الزحف الإسلامي في معاركه الجهادية، إذا جمعنا بين هاتين الحقيقتين، نتج عنها أن الإسلام لم يأذن باسترقاق الأسير إلا حين يكون أصلح من العفو والفداء معا، ولم يسمح بذلك إلا لولي الأمر المعصوم الذي لا يخطئ في معرفة الأصلح وتمييزه عن غيره (2).
وليس في هذا الحكم شيء يؤاخذ الإسلام عليه، بل هو حكم لا تختلف فيه المذاهب الاجتماعية مهما كانت مفاهيمها فإن الاسترقاق قد يكون أحيانا أصلح من العفو والفداء معا، وذلك فيما إذا كان العدو يتبع مع أسراه طريقة الاسترقاق، ففي مثل هذه الحالة يصبح من الضروري أن يعامل العدو بالمثل، وتتبع معه نفس الطريقة. فإذا كانت توجد حالات يصبح فيها الاسترقاق أصلح من العفو والفداء، فلماذا لا يسمح به الإسلام حين يكون أصلح الحالات الثلاث؟ صحيح أن الإسلام لم يبين تلك الحالات التي يكون الاسترقاق فيها أصلح من غيره، ولكنه استغنى عن ذلك بإيكال الأمر إلى الحاكم المعصوم من الخطأ والهوى، الذي يقود معركة الجهاد سياسيا، فهو المسؤول عن تمييز تلك الحالات والعمل وفقا لرأيه.
ونحن إذا لاحظنا حكم الإسلام بشأن الأسير، خلال التطبيق في الحياة السياسية للدولة الإسلامية، وجدنا أن الاسترقاق لم يحدث إلا في تلك الحالات، التي كان الاسترقاق فيها أصلح الحالات الثلاث، لأن العدو الذي اشتبكت معه الدولة الإسلامية في معاركها كان يتبع نفس الطريقة مع أسراه.
فلا موضع لنقد أو اعتراض. لا موضع للنقد أو الاعتراض على الحكم العام بجواز الاسترقاق، لأن الإسلام سمح باسترقاق الأسير حين يكون ذلك أوفق بالمصلحة العامة في رأي الحاكم المعصوم. ولا موضع للنقد أو الاعتراض على تطبيقه، لأن تطبقه كان دائما في تلك الحدود التي كون الاسترقاق فيها أصلح الاجراءات الثلاثة.