لمصالحهم الخاصة، كما يقرره مبدأ الحرية الشكلية. يعني عدم إمكان وضع مبدأ ضمان العمل للعامل، أو ضمان المعيشة لغير العامل من العاجزين، لأن وضع مثل هذه الضمانات لا يمكن أن يتم بدون تحديد تلك الحريات، التي يتمتع بها أصحاب العمل وأرباب الثروة. فإما أن يسمح لأصحاب العمل أو المال بالتصرف وفقا لإرادتهم، فتوفر بذلك لهم الحرية الشكلية، ويصبح من غير الممكن إعطاء ضمانات للعمل أو المعيشة. وإما أن تعطى هذه الضمانات فلا يسمح لأصحاب العمل والمال أن يتصرفوا كما يحلو لهم، وفي ذلك خروج على مبدأ الحرية الشكلية، القائل: بضرورة السماح لكل أحد بالتصرف في المجال الاقتصادي كما يريد. ولما كانت الرأسمالية تؤمن بهذا المبدأ، فقد وجدت نفسها مضطرة إلى رفض فكرة الضمان، فكرة الحرية الجوهرية، حفاظا على توفير الحرية الشكلية لجميع الأفراد على السواء.
وبينما أخذ المجتمع الرأسمالي بالحرية الشكلية، وطرح الحرية الجوهرية وفكرة الضمان جانبا، وقف المجتمع الاشتراكي موقفا معاكسا، إذ قضت الاشتراكية الماركسية فيه على الحرية الشكلية، بإقامة جهاز دكتاتوري يتولى السلطة المطلقة في البلاد. وزعمت أنها عوضت عن تلك الحرية الشكلية بحرية جوهرية، أي بما تقدمه للمواطنين من ضمانات للعمل والحياة.
وهكذا أخذ كل من المذهبين بجانب من الحرية، وطرح الجانب الآخر ولم يحل هذا التناقض المستقطب بين الحرية الشكلية والحرية الجوهرية، أو بين الشكل والجوهر.. إلا في الإسلام، الذي آمن بحاجة المجتمع إلى كلا اللونين من الحرية، فوفر للمجتمع الحرية الجوهرية بوضع درجة معقولة من الضمان تسمح لجميع أفراد المجتمع الإسلامي بالحياة الكريمة، وممارسة متطلباتها الضرورية ولم يعترف في حدود هذا الضمان بالحرية. وفي نفس الوقت لم يجعل من هذا الضمان مبررا للقضاء على الحرية الشكلية، وهدر قيمتها الذاتية والموضوعية، بل فتح السبيل أمام كل فرد خارج حدود الضمان، ومنحه من الحريات ما ينسجم مع مفاهيمه عن الكون والحياة فالمرء مضمون بدرجة وفي حدود خاصة، وحر خارج هذه الحدود.