وليس بالتناقضات المخزونة في أعماقها. وهذا التذبذب ينعكس في تحليلها التاريخي أيضا. فهي بينما تصر على وجود تناقضات جذرية، في صميم كل ظاهرة اجتماعية: كفيلة بتطويرها وحركتها، تقرر من ناحية أخرى. إن الصرح الاجتماعي الهائل، يقوم كله على قاعدة واحدة، وهي قوى الإنتاج، وطريقته الخاصة، وإن الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والفكرية، وغيرها.. ليست إلا بنى فوقية في ذلك الصرح، وانعكاسات بشكل آخر لطريقة الإنتاج، التي قام البناء عليها. فالعلاقة إذن بين هذه البنى المتنوعة الألوان، وبين طريقة الإنتاج، هي علاقة معلولة بعلة. ويعني هذا، أن الظاهرات الاجتماعية الفوقية، لم تنشأ بطريقة ديالكتيكية، وفقا للتناقضات الداخلية فيها، وإنما وجدت بأسباب خارجة عن محتواها الداخلي، وبتأثير القاعدة فيها. بل إنا نجد أكثر من هذا، فإن التناقض الذي يطور المجتمع - في رأي الماركسية - ليس هو التناقض الطبقي بين علاقات الملكية القديمة وقوى الإنتاج الجديد. فهناك إذن شيئان مستقلان، يقوم التناقض بينهما، لا شيء واحد يحمل في صميمه نقضيه.
وكأن الماركسية أدركت موقفها هذا المتأرجح، بين التناقضات الداخلية، وقانون العلية، وحاولت أن توفق بين الأمرين. فأعطت العلة والمعلول مفهوما ديالكتيكيا، ورفضت مفهومهما الميكانيكي، وسمحت لنفسها على هذا الأساس، أن تستعمل في تحليلها طريقة العلة والمعلول، في إطارهما الديالكتيكي الخاص. فالماركسية ترفض السببية التي تسير على خط مستقيم، والتي تظل فيها العلة خارجية بالنسبة إلى معلولها، والمعلول سلبيا بالنسبة إلى علته. لأن هذه السببية تتعارض مع الديالكتيك، مع عملية النمو والتكامل الذاتي في الطبيعة. إذ ان المعلول طبقا لهذه السببية، لا يمكن أن يجيء حينئذ أثرى من علته. وأكثر نموا. لأن هذه الزيادة في الثراء والنمو، تبقى دون تعليل. وأما المعلول الذي يولد من نقيضه، فيتطور وينمو بحركة داخلية، طبقا لما يحتوي من تناقضات، ليعود إلى النقيض الذي أولده، فيتفاعل معه، ويحقق عن