الاختلاف عن دوره في دراسة المذهب الماركسي. فإن البحث العلمي في قوانين المادية التاريخية، كان وحده هو الذي يستطيع أن يصدر الحكم النهائي في حق الماركسية المذهبية، كما سبق. وأما البحث العلمي في مجال نقد الرأسمالية المذهبية، فليس هو المرجع الأعلى للحكم في حقها، لأنها لا تدعي لنفسها طابعا علميا.
وإنما يستعان بالبحث العلمي، لتكوين فكرة كاملة عن النتائج الواقعية (الموضوعية)، التي تتمخض عنها الرأسمالية على الصعيد الاجتماعي، ونوعية الاتجاهات التي تتجهها قوانين الحركة الاقتصادية في ظل الرأسمالية، لكي تقاس تلك النتائج والاتجاهات التي يسفر عنها تطبيق المذهب بالمقاييس دراسة المذهب الرأسمالي، إعطاء صورة كاملة عن واقع المجتمع الرأسمالي لنقيس تلك الصورة بالمقاييس العملية الخاصة. وليست وظيفته تقديم البرهان على حتمية المذهب الرأسمالي أو خطأه.
فكم يخطئ الباحث - على هذا الأساس الذي قدمناه - إذا تلقى المذهب الرأسمالي من العلماء الرأسماليين، بوصفه حقيقة علمية، أو جزءا من علم الاقتصاد السياسي، ولم يميز بين الصفة العلمية والصفة المذهبية لأولئك الاقتصاديين، فيخيل له مثلا، حين يحكم هؤلاء بأن توفير الحريات الرأسمالية خير وسعادة للجميع: إن هذا رأي علمي أو قائم على أساس علمي كالقانون الاقتصادي القائل مثلا: (إذا زاد العرض انخفض الثمن). مع أن هذا القانون تفسر علمي لحركة الثمن كما توجد في السوق. وأما الحكم السابق بشأن الحريات الرأسمالية، فهو حكم مذهبي يصدره أنصاره بوصفهم المذهبي. ويستمدونه من القيم والأفكار الخلقية والعملية التي يؤمنون بها فلا تعني صحة ذلك القانون العملي أو غيره من القوانين العلمية: أن يكون هذا الحكم المذهبي صحيحا وإنما يتوقف هذا الحكم على صحة القيم والأفكار التي أقيم على أساسها.