وتصنع وضعا اقتصاديا يواكبها في نموها ولا يناقضها. فهل ينطبق هذا على الواقع التاريخي حقا؟.
هل إن ظروف المجتمع وشروطه الاقطاعية، كانت أكثر مواكبة لنمو الإنتاج من شروطه وظروفه قبل ذلك؟. وهل سار الوضع الاقتصادي - ومن خلفه القافلة البشرية كلها - في خط صاعد، كما تتطلبه طبيعة الحركة التاريخية عند الماركسيين، الذين يفهمونها على أنها عملية تكامل مستمر للمحتوى التاريخي كله، تبعا لتكامل الوضع الاقتصادي ونموه؟.
إن شيئا من ذلك لم يحدث، على الوجه الماركسي المفروض. ويكفي لمعرفة ذلك أن نلقي نظرة على الحياة الاقتصادية، التي كانت الإمبراطورية الرومانية تعيشها. فلقد بلغت - وعلى الأخص في اجزاء معينة منها - مستوى اقتصاديا رفيعا، ونمت فيها الرأسمالية التجارية نموا كبيرا. ومن الواضح أن الرأسمالية التجارية من الأشكال الاقتصادية الراقية، وإذا كانت الإمبراطورية الرومانية قد جربت هذا الشكل - كما يدل عليه تاريخها - فقد وصلت إذن إلى درجة عالية نسبيا في تركيبها الاقتصادي، وابتعدت شوطا كبيرا عن ألوان الاقتصاد البدائي المغلق (اقتصاديات البيت)، وكان من أثر ذلك أن التجارة راجت في مختلف الدول التي عاصرتها الإمبراطورية الرومانية، بفضل تعبيد الطرق وتأمينها وحماية الملاحة، فضلا عن التجارة الداخلية التي ازدهرت داخل أرجاء الإمبراطورية، بين إيطاليا والولايات وبين الولايات بعضها مع بعض حتى أن الأواني الفخارية لإيطاليا، كانت تكتسح السوق العالمية، من بريطانيا شمالا إلى شواطئ البحر الأسود شرقا. ودبابيس الأمن التي تميزت بها (أوكيسا) انتشرت عن طريق التجارة في جميع الولايات، ووصلت إلى شواطئ البحر الأسود. والمصابيح التي كانت المصانع الإيطالية تنتجها بكميات هائلة، عثر عليها في كل جزء من أجزاء الإمبراطورية.
والسؤال الذي يواجهنا على ضوء هذه الحقائق هو: لماذا لم تواصل الأوضاع الاقتصادية والرأسمالية التجارية نموها وتكاملها، ما دامت الحركة التكاملية