وقال الفقهاء الأربعة: لا يجب إلا في غنائم دار الحرب (1).
وقد خالفوا في ذلك قوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ، فأن لله خمسه " (2).
(١) الهداية ج ٢ ص ١٠٥ والتفسير الكبير ج ١٥ ص ١٦٥ وروح المعاني ج ١٠ ص ١ إلى ٥ (٢) الأنفال: ٤١ أقول: قال ابن منظور في لسان العرب: والغنم: الفوز بالشئ من غير مشقة، وغنم الشئ غنما: فاز به. وفسره بهذا المعنى في القاموس، وتاج العروس، وقال الراغب في المفردات: الغنيمة: من الغنم، ثم استعمل في كل مظفور به، من جهة العدو، وغيرهم.
وثبت في محله أن شأن النزول لا يكون مخصصا لعموم الآية، فتخصيص حكم الآية بمورد، وهو غنائم دار الحرب ادعاء بلا دليل، ومخالف لقول النبي صلى الله عليه وآله: " في الركاز الخمس، قيل وما الركاز يا رسول الله؟ قال: " الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت ". رواه البيهقي في سننه ج ٤ ص ١٥٢ وأحمد بن حنبل في مسنده ج ١ ص ٣١٤ والشافعي في مسند ص ٣٧٠ وقال في القاموس ج ٢ ص ١٨٣: الركاز: هو ما ذكره الله تعالى في المعادن، ودفين أهل الجاهلية، وقطع الذهب والفضة من المعدن، وهكذا قال ابن الأثير في النهاية ج ٢ ص ٢٥٨ بتفصيل، ورواه عن مسند أحمد، وروى الشافعي في مسنده ص ٣٧٠ عن ابن عباس:
أنه سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شئ، ففيه الخمس، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن لكم بطون الأرض، وسهولها، وتلاع الأودية، وظهورها، على أن ترعوا نباتها، وتشربوا ماءها، على أن تؤدوا الخمس. رواه المتقي الهندي في كنز العمال ج ٢ ص ٦٥ وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله: عند قدوم مسروق بن وائل إلى حضرته: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى أقيال من حضرموت، بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدقة على التبيعة، ولصاحبها التيمة، وفي السيوب الخمس. (راجع أسد الغابة ج ٣ ص ٣٨ و ج ٤ ص ٣٥٤ والإصابة ج ٢ ص ٢٠٨ وفي العقد الفريد ج ٢ ص ٤٨ كتب صلى الله عليه وآله إلى وائل بن حجر الحضرمي: " وفي السيوب الخمس ". وأشار إلى ذلك في الاستيعاب هامش الإصابة ج ٣ ص ٦٤٢ ورواه زيني دحلان في السيرة النبوية، وقال في القاموس ج ١ ص ٨٧: السيب: العطاء، والعرف، والسيوب الركاز. وقال في أقرب الموارد:
السيب: العطاء، يقال فاض سيبه، أي عطاؤه. والركاز، يقال: وجد فلان سيبا أي ركازا، وفي السيب الخمس.
فعلى هذا تعميم العطاء، لعطائه تعالى وإحسانه، يستفاد من معناه اللغوي، فيشمل كل ما يغنمه الإنسان من وجوه الكسب، وغنائم دار الحرب، وقد ثبت أيضا: أن الغنيمة تطلق على ما فاز به الإنسان، وظفر به من وجوه الكسب، ومنها دار الحرب. وهذا المعنى مما أطبقت عليه الإمامية، تبعا لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
فائدة: النسبة بين الغنيمة، والأنفال عموم من وجه، لافتراق الأنفال في الأراضي الموات.
ونحوها، مما لم يغنمه أحد، وافتراق الغنيمة فيما يستفيده الإنسان من مكاسبه، مما ليس نفلا، ويجتمعان في غنائم دار الحرب... والنسبة بين الفيئ والغنيمة، عموم مطلق، لأن الفيئ هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار، من غير حرب ولا جهاد، وهذا قسم خاص من الغنيمة يسمى: فيئا، وحكم عليه بحكم خاص في الكتاب العزيز، وهكذا النسبة بين الفيئ والأنفال.