حركات الجمادات، وكما أن البديهة حاكمة بأنه لا يجوز أمر الجماد، ونهيه، ومدحه، وذمه، وجب أن يكون الأمر كذلك في أفعال العباد، ولأنه تعالى يريد منا فعل المعصية، ويخلقها فينا، فكيف نقدر على ممانعته؟
ولأنه إذا طلب منا: أن نفعل فعلا، ولا يمكن صدوره عنا، بل إنما يفعله هو، كان عابثا في الطلب، مكلفا لما لا يطاق، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
يلزم الجبرية كونه تعالى ظالما ومنها: أنه يلزم أن يكون الله سبحانه أظلم الظالمين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لأنه إذا خلق فينا المعصية، ولم يكن لنا فيها أثر البتة، ثم عذبنا عليها، وعاقبنا على صدورها منه تعالى فينا، كان ذلك نهاية الجور والعدوان، نعوذ بالله من مذهب يؤدي إلى وصف الله تعالى بالظلم والعدوان!. فأي عادل يبقى بعد الله تعالى، وأي منصف سواه، وأي راحم للعبد غيره، وأي مجمع للكرم والرحمة، والإنصاف عداه، مع أنه يعذبنا على فعل صدر عنه، ومعصية لم تصدر عنا بل منه.
يلزم الجبرية نفي ما علم ثبوته وإثبات ما علم نفيه بالضرورة ومنها: أنه يلزم تجويز انتفاء ما علم بالضرورة ثبوته.
وبيانه. أنا نعلم بالضرورة: أن أفعالنا إنما تقع بحسب قصودنا ودواعينا، وتنتفي بحسب انتفاء الدواعي، وثبوت الصوارف.
فإنا نعلم بالضرورة أنا متى أردنا الفعل، وخلص الداعي إلى إيجاده، وانتفى الصارف، فإنه يقع، ومتى كرهناه لم يقع. فإن الإنسان متى اشتد به الجوع، وكان تناول الطعام ممكنا، فإنه يصدر منه تناول الطعام، ومتى اعتقد أن في الطعام سما انصرف عنه، وكذا يعلم من حال غيره ذلك، فإنا نعلم بالضرورة: أن شخصا لو اشتد به العطش ولا مانع له من