والسبب في ذلك قلة تمييزهم وعدم تفطنهم بالمناقضة التي تلزمهم، وإنكار الضروريات التي تبطل مقالتهم، فإن الضرورة قاضية بأن كل جسم لا ينفك عن الحركة والسكون، وقد ثبت في علم الكلام: أنهما حادثان. والضرورة قاضية: أن ما لا ينفك عن المحدث فإنه يكون محدثا، فيلزم حدوث الله تعالى. والضرورة الثانية قاضية بأن كل محدث مفتقر إلى محدث، فيكون واجب الوجود مفتقرا إلى مؤثر، ويكون ممكنا، فلا يكون واجبا، وقد فرض أنه واجب، هذا خلف.
وقد تمادى أكثرهم، فقال: إنه تعالى يجوز عليه المصافحة، وأن المخلصين يعانقونه في الدنيا (1). وقال: داود (2): اعفوني عن الفرج، واللحية، واسألوني عما وراء ذلك. وقال: إن معبوده جسم ذو لحم، ودم، وجوارح، وأعضاء، وأنه بكى على طوفان نوح، حتى رمدت عيناه، وعادته الملائكة لما اشتكت عيناه!.
فلينصف العاقل المقلد من نفسه، هل يجوز له تقليد هؤلاء في شئ؟.
وهل للعقل مجال في تصديقهم في هذه المقالات الكاذبة والاعتقادات الفاسدة؟؟
وهل تثق النفس بإصابة هؤلاء في شئ البتة؟.
إنه تعالى ليس في جهة المبحث الرابع: في أنه تعالى ليس في جهة.