نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - الصفحة ١٤٢
وهل يجوز لمسلم يخشى الله، وعقابه، أو يطلب الخلاص من العذاب، المصير إلى هذا القول؟ نعوذ بالله من الدخول في الشبهات!.
عصمة الأنبياء 1 - المبحث الثاني: أن الأنبياء معصومون.
ذهبت الإمامية كافة إلى أن الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر، ومنزهون عن المعاصي، قبل النبوة، وبعدها. على سبيل العمد، والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل على الخسة والضعة.
وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوزوا عليهم المعاصي.. وبعضهم:
جوزوا الكفر عليهم، قبل النبوة، وبعدها، وجوزوا عليهم السهو والغلط (1) ونسبوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السهو في القرآن بما يوجب الكفر،

(١) قال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة / ج ٢ ص ١٦٢ ما خلاصته: قال قوم من الخوارج وابن فورك من الأشعرية: إنه يجوز بعثة من كان كافرا. وقال برغوث المتكلم، من النجارية: لم يكن الرسول قبل البعثة مؤمنا بالله. وقال السدي: إنه كان على دين قومه (وهو الشرك) أربعين سنة. وقال بعض الكرامية: إن إبراهيم " ع " قال: أسلمت، ولم يكن قبل ذلك مسلما.
وقال ابن حزم، في كتابه الفصل في الملل والأهواء ج ٤ ص ١: فذهب طائفة إلى أن رسل الله يعصون الله في جميع الكبائر والصغائر، حاشا الكذب في التبليغ فقط، وهو قول الكرامية من المرجئة، وقول أبي الطيب الباقلاني، من الأشعرية، ومن اتبعه.. وهو قول اليهود والنصارى.. (إلى أن قال): وأما هذا الباقلاني، فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني، قاضي الموصل: أنه كان يقول: إن كل ذنب دق أو جل، فإنه جائز على الرسل حاشا الكذب في التبليغ فقط. وقال: وجائز عليهم أن يكفروا.
وقال:
وإذا نهى النبي عن شئ، ثم فعله فليس دليلا على أن ذلك النهي قد نسخ، لأنه قد يفعله عاصيا لله تعالى. وقال: وليس لأصحابه أن ينكروا عليه، وجوز أن يكون في أمة محمد من هو أفضل من محمد " ص " مذ بعث، إلى أن مات. إنتهى كلام ابن حزم!!!!
وقال الغزالي، في بحث أفعال الرسول من كتابه الموسوم ب‍ (المنخول في الأصول):
والمختار ما ذكره القاضي (يعني الباقلاني): وهو أنه لا يجب عقلا عصمتهم، إذ لا يستبان استحالة وقوعه (أي العصيان) بضرورة العقل ولا بنظره، وليس هو مناقضا لمدلول المعجزة، فإن مدلوله صدق اللهجة فيما يخبر عن الله تعالى، لا عمدا ولا سهوا، ومعنى التنفير باطل، فإنا نجوز أن ينبئ الله كافرا ويؤيده بالمعجزة. واختاره فرقة الأزارقة من الخوارج (وليراجع الملل والنحل ج ١ ص ١٢٢).
ونقل أبو رية في كتابه: أضواء على السنة المحمدية ص ٤٢ عن كتاب: نهاية المبتدئين لابن حمدان: إنهم معصومون فيما يؤدونه عن الله تعالى، وليسوا بمعصومين في غير ذلك، من الخطأ، والنسيان، والصغائر، وقال ابن عقيل في الارشاد: إنهم لم يعتصموا في الأفعال، بل في نفس الأداء، ولا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله تعالى.
وهذا ينكره علماء الشيعة فإنهم أجمعوا على أن الأنبياء معصومون لا يخطئون، ولا يعتريهم السهو والنسيان، وهم مجمعون على أنهم معصومون في الكبر والصغر، حتى في أمور الدنيا.
وقال الرازي في تفسيره الكبير ج ٣ ص ٧: واختلف الناس على ثلاثة أقوال: أحدها:
قول من ذهب إلى أنهم معصومون من وقت مولدهم، وهو قول الرافضة. وثانيها: قول من ذهب إلى عصمتهم وقت بلوغهم، ولم يجوزوا منهم ارتكاب الكفر والكبيرة قبل النبوة، وهو قول كثير من المعتزلة. وثالثها: قول من ذهب إلى أن ذلك (يعني ارتكاب الكفر والكبيرة) لا يجوز وقت النبوة. أما قبلها فجائز، وهو قول أكثر أصحابنا، وقول أبي الهذيل العلاف، وأبي علي من المعتزلة.
وقال في الجزء ١٨ ص ٩ من تفسيره: وعندنا العصمة إنما تعتبر في وقت النبوة لا قبلها.
وأشار ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٢ ص ١٦٢ إلى ما قاله الفخر الرازي.
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست