شرب الماء فإنه يشربه بالضرورة، ومتى علم مضرة دخول النار لم يدخلها، ولو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى جاز أن يقع الفعل، وإن كرهناه، وانتفى الداعي إليه، ويمتنع صدوره عنا وإن أردناه وخلص الداعي إلى إيجاده على تقدير أن لا يفعله الله تعالى، وذلك معلوم البطلان، فكيف يرتضي العاقل لنفسه مذهبا يقوده إلى بطلان ما علم بالضرورة ثبوته؟.
ومنها: أنه يلزم تجويز ما قضت الضرورة بنفيه، وذلك لأن أفعالنا إنما تقع على الوجه الذي نريده ونقصده، ولا يقع منا على الوجه الذي نكرهه، فإنا نعلم بالضرورة: أنا إذا أردنا الحركة يمنة، لم تقع يسرة، ولو أردنا الحركة يسرة لم تقع يمنة، والحكم بذلك ضروري، فلو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى، جاز أن تقع الحركة يمنة، ونحن نريد الحركة يسرة، وبالعكس. وذلك ضروري البطلان.
الجبرية يخالفون نصوص القرآن ومنها: يلزم مخالفة الكتاب العزيز، ونصوصه، والآيات المتضافرة فيه، الدالة على استناد الأفعال إلينا. وقد بينت في كتاب " الايضاح " مخالفة أهل السنة لنص الكتاب والسنة، بالوجوه التي خالفوا فيها آيات الكتاب العزيز، حتى أنه لا تمضي آية من الآيات إلا وقد خالفوا فيها من عدة أوجه، فبعضها يزيد على عشرين، ولا ينقص شئ منها عن أربعة.
ولنقتصر في هذا المختصر على وجوه قليلة، دالة على أنهم خالفوا صريح القرآن، ذكرها أفضل متأخريهم، وأكبر علمائهم فخر الدين الرازي (1)، وهي عشرة:
الآيات التي نسب للفعل فيها إلى العبد الأول: الآيات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد: " فويل للذين