إلا فاعل الظلم، ولا الجائر إلا فاعل الجور، ولا المفسد إلا فاعل الفساد، ولهذا لا يصح إثبات أحدها إلا حال نفي الآخر.
ولأنه لما فعل العدل سمي عادلا، فكذا لو فعل الظلم سمي ظالما، ويلزم: أن لا يسمى العبد ظالما، ولا سفيها، لأنه لم يصدر عنه شئ من هذه!..
إلزام الجبرية بالالتزام بالمحال منها: أنه يلزم المحال، لأنه لو كان هو الخالق للأفعال، فإما أن يتوقف خلقه لها على قدرتنا ودواعينا، أو لا، والقسمان باطلان.
أما الأول: فلأنه يلزم منه عجزه سبحانه عما يقدر عليه العبد.
ولأنه يستلزم خلاف المذهب، وهو وقوع الفعل منه، والداعي من العبد، إذ لو كان من الله تعالى لكان الجميع من عنده. ولأن القدرة والداعي: إن أثرا فهو المطلوب، وإلا، كان وجودهما كوجود لون الإنسان، وطوله. وقصره. ومن المعلوم بالضرورة: أنه لا مدخل للون، والطول، والقصر في الأفعال. وإذا كان هذا الفعل صادرا عنه جاز وقوع جميع الأفعال المنسوبة إلينا منا.
وأما الثاني: فلأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى أوجد - أي خلق - تلك الأفعال من دون قدرتهم ودواعيهم، حتى توجد الكتابة والنساجة المحكمتان ممن لا يكون عالما بهما، ووقوع الكتابة ممن لا يد له، ولا قلم، ووقوع شرب الماء من الجائع في الغاية، الريان في الغاية، مع تمكنه من الأكل، ويلزم تجويز أن تنقل النملة الجبال، وأن لا يقوى الرجل الشديد القوة على رفع تبنة، وأن يجوز من الممنوع المقيد العدو، وأن يعجز القادر الصحيح عن تحريك الأنملة، وفي هذا زوال الفرق بين القوي والضعيف، ومن المعلوم بالضرورة الفرق بين الزمن والصحيح.