المذاب، ولا يدرك حرارته، وتنفصل أعضاؤه ولا يحس بالآلام في جسمه (1).
ولا شك أن هذا هو عين السفسطة، والضرورة تقتضي فساده، ومن شك في هذا فقد أنكر أظهر المحسوسات عندنا.
في امتناع الادراك مع فقد الشرائط البحث الرابع: في امتناع الادراك عند فقد الشرائط.
والأشاعرة خالفوا جميع العقلاء في ذلك، وجوزوا الادراك مع فقد جميع الشرائط، فجوزوا في الأعمى إذا كان في المشرق أن يشاهد ويبصر النملة السوداء الصغيرة على الصخرة السوداء في طرف المغرب في الليل المظلم، وبينهما ما بين المشرق والمغرب من البعد، وبينهما حجب جميع الجبال والحيطان.
ويسمع الأطرش وهو في طرف المشرق أخفى صوت، يسمع وهو في طرف المغرب (2) وكفى من اعتقد ذلك نقصا، ومكابرة للضرورة، ودخولا في السفسطة هذا اعتقادهم وكيف من يجوز لعاقل أن يقلد من كان هذا اعتقاده.
وما أعجب حالهم يمنعون من مشاهدة أعظم الأجسام قدرا، وأشدها لونا وإشراقا، وأقربها إلينا مع ارتفاع الموانع، وحصول الشرائط، ومن سماع الأصوات الهائلة القريبة، ويجوزون مشاهدة الأعمى لأصغر الأجسام وأخفاها في الظلمة الشديدة، وبينهما غاية البعد، وكذا في السماع، فهل بلغ أحد من السوفسطائية في إنكارهم المحسوسات إلى هذه الغاية، ووصل إلى هذه النهاية؟.