وإن لم يحصل، لم يحصل الادراك، وإن وجدت جميع الشرائط (1) وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات، لأن من شأن الادراك أن يتعلق بالمرئي على ما هو عليه في نفسه، وذلك يحصل في عدمه، كما يحصل حال وجوده، فإن الواحد منا يدرك جميع الموجودات، بإدراك يجزي مجرى العلم في عموم التعلق (2)، وحينئذ يلزم تعلق الادراك بالمعدوم، وبأن الشئ سيوجد، وبأن الشئ قد كان موجودا، وأن يدرك ذلك بجميع الحواس. من: الذوق، والشم، واللمس، والسمع، لأنه لا فرق بين رؤية الطعوم والروايح، وبين رؤية المعدوم. وكما أن العلم باستحالة المعدوم ضروري، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروايح.
وأيضا: يلزم أن يكون الواحد منا رائيا مع الساتر العظيم البقة، ولا يرى الفيل العظيم، ولا الجبل الشاهق، مع عدم ساتر، على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأول، وانتفى في الثاني، وكان يصح منا أن نرى ذلك المعنى لأنه موجود.
وعندهم أن كل موجود يصح رؤيته ويتسلسل، لأن رؤية الشئ إنما تكون بمعنى آخر. وأي عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم، والرايحة، والحرارة، والبرودة، والصوت بالعين، وجواز لمس العلم والقدرة، والطعم، والرايحة، والصوت باليد، وذوقها باللسان، وشمها بالأنف، وسماعها بالأذن، وهل هذا إلا مجرد سفسطة، وإنكار المحسوسات، ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!.
أنه تعالى لا يرى البحث السابع: في أنه تعالى يستحيل رؤيته.