فإذا عرفت: أنه لا ينبغي أن يذكر لهذا السائل عن دين الإسلام، إلا مذهب الإمامية دون قول غيرهم، عرفت عظم موقعهم في الإسلام، وتعلم أيضا بزيادة بصيرتهم، لأنه ليس في التوحيد دليل ولا جواب عن شبهة إلا من أمير المؤمنين عليه السلام، وأولاده عليهم السلام أخذ، وكان جميع العلماء يستندون إليه على ما يأتي، فكيف لا يجب تعظيم الإمامية، والاعتراف بعلو منزلتهم، فإذا سمعوا شبهة في توحيد الله تعالى، أو في عبث بعض أفعاله انقطعوا بالفكر فيها عن كل أشغالهم فلا تسكن نفوسهم، ولا تطمئن قلوبهم حتى يتحققوا جوابا عنها، ومخالفهم إذا سمع دلالة قاطعة على أن الله عز وجل لا يفعل الفواحش والقبايح، ظل ليله ونهاره مهموما مغموما، طالبا لإقامة شبهة يجيب بها حذرا: أن يصح عنده أن الله تعالى لا يفعل القبيح، فإذا ظفر بأدنى شبهة قنعت نفسه، وعظم سروره بما دلت الشبهة عليه، بأنه لا يفعل القبيح، وأنواع الفواحش غير الله تعالى، فشتان بين الفريقين، وبعد ما بين المذهبين. ولنشرع الآن في تفصيل المسائل، وكشف الحق فيها بعون الله ولطفه.
إثبات الحسن والقبح العقليين المطلب الثاني: ذهبت الإمامية، ومن تابعهم من المعتزلة، إلى أن من الأفعال ما هو معلوم الحسن، والقبح بضرورة العقل، كعلمنا بحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، فكل عاقل لا يشك في ذلك.
وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب، وأن الأشياء المساوية لشئ واحد متساوية. ومنها ما هو معلوم بالاكتساب أنه حسن، أو قبيح، كحسن الصدق الضار، وقبح الكذب النافع (1).
ومنها ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه فيكشف الشرع عنه كالعبادات.