العسوف، وأبرهما بر الأم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما، أقر لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى أؤثر على هواي هواهما، وأقدم على رضاي رضاهما، وأستكثر برهما بري وإن قل، وأستقل بري بهما وإن كثر ".
من الذي يقرأ هذا القول، ولا يترك في نفسه أعمق الآثار؟!.. يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما، ودنوه منهما، وعلمه بأنهما أرأف به من نفسه. إنها هيبة التعظيم والتوقير، لا هيبة الخوف من الحساب والعقاب هيبة الأبوة التي لا يقدرها إلا العارفون.
كانت فاطمة (سلام الله عليها) بضعة من النبي (ص) وأحب الخلق إلى قلبه، ومع هذا كانت تقول: " ما استطعت أن أكلم رسول الله من هيبته ".
ولا شئ عند الأبوين أغلا وأثمن من بر الابن بهما، على الرغم من أنه وفاء لبعض ما لهما من ديون. إنهما يسعدان بهذا البر سعادة الغارس بثمرات غرسه، بل سعادة العالم باكتشاف أسرار الكون، وبهذه السعادة يشعر الابن البار إذا تأكد من سعادة أبويه به، ورضاهما عنه.
ثم اقرأ معي هذه الكلمات للإمام (عليه السلام):
" اللهم وما تعديا علي فيه من قول، أو أسرفا علي فيه من فعل، أو ضيعاه من حق، أو قصرا بي عنه من واجب، فقد وهبته لهما، ورغبت إليك في وضع تبعته عنهما، فإني لا أتهمهما على نفسي، ولا أستبطئهما في بري، ولا أكره ما تولياه من أمري يا رب، فهما أوجب حقا علي وأقدم إحسانا إلي وأعظم منة لدي من أن أقاصهما بعدل، أو أجازيهما على مثل. أين إذن يا إلهي طول شغلهما بتربيتي؟! وأين شدة تعبهما في حراستي؟! وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة علي. هيهات ما يستوفيان مني حقهما، ولا أدرك ما يجب علي لهما،