مسرعا، ودخل على ولده وقال له بلسان متلجلج، وصوت متهدج: إن السنين يا بني قد هدت جسمي، وأضعفت قوتي، فأصبحت عاجزا عن الكسب، فهل لنفسك الطيبة أن تسمح لأبيك ولو بجزء ضئيل من المال يستعين به على شيخوخته أذهلت الولد هذه المفاجأة التي لم يكن يتوقعها، فجمد في مكانه مشدوها، ثم انتبه من ذهوله وترك أباه وذهب كأن الأمر لا يعنيه، وكأن المخاطب سواه.
تألم الوالد وندم على ما فرط منه، وشعر كأن صاعقة انقضت عليه، وخاطب نفسه وقال: هذا ما كنت أخشاه ها هو قد تركني ومضى لشأنه كأنه لا يعرفني، وكأنني لست أباه، وطفرت من عيونه دموع الألم، وهم بالنهوض فخانته قواه، ولم تستطع أن تحمله قدماه فسقط في مكانه، ثم استعاد قواه، وبينما هو يحاول النهوض ثانية إذ أقبل ولده والعرق يتصبب من جبينه فارتمى على يدي والده يقبلهما ويقول: إنني يا أبت لم أنس حنوك وعطفك علي زمن طفولتي، ولن أنسى ما حييت جهودك العظيمة التي بذلتها في سبيل تربيتي وتوفير راحتي، لا أزال أذكر سهرك الليالي الطوال بجانب سريري أيام مرضي، إنني لا أزال أشعر بأنك كنت تتمنى أن تسكب روحك النقية في جسمي لتعود إلي العافية والحياة.
إنني يا أبت لا أستطيع، مهما حاولت، أن أفي ببعض ما لك في عنقي من منة، ولا أقدر أن أقابل هذا الشعور بمثله.
إنك تطلب مني أن أخصك بشئ من المال، هذا لا يكون أبدا، إن الولد البار يعلم يقينا أنه هو وماله لأبيه يتصرف بهما كما يحب.
هاك يا والدي مفتاح الخزانة، افتحها متى أردت، وخذ منها ما شئت، والفضل لك، لأنني أعتقد أنه لم يكن لينالني شئ من التوفيق لولا دعواتك