أمة، إذ أقاموا دست أركانها، وإذا ذهبوا ذهبت ريحها.
هذا ما قرره الرسول الكريم إذ قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ". فالعلماء الذين يعصمون الجماعات من الزيغ هم أولئك الذين أماتوا أهواءهم وقاموا بحق الله في أنفسهم وفيما حولهم، انتفعوا بالإسلام ونفعوا الآخرين به، واتصلت حياة هذا الدين بهم كما تتصل حياة الشجرة بما تحمل من بذور فيها طبيعة الإنتاج والنماء، فهي وإن ولت أعقبت بعدها ما ينبت مثلها أو أشد إلى أن يأذن الله بانقضاء الحياة والأحياء.
وذكر الحديث طائفة أخرى من العلماء الذين لا يستفيدون مما علموا فائدة طائلة، إلا أنهم أوعية حسنة للمعارف النافعة التي تظل قائمة بأنفسهم حتى يجئ من ينقلها عنهم ليعمل بها ويفيد منها!!
وهذه الطائفة ليست صنفا واحدا، فهناك حفاظ للعلم يعملون بقليل منه ويحملون كثيره دون تدبر فيه أو دراسة عميقة له.
وأمثال هؤلاء هم الذين يصدق فيهم قول رسول الله (ص): " رب حامل فقه ليس بفقيه " " رب مبلغ أوعى من سامع ".
وربما اتسع علم هؤلاء وكثر بذلهم له.. حتى يضرب الناس إليهم لينالوا من حكمتهم ما تصح به النفوس وتصحو الهمم!! فهم كالبحيرة التي تجمع الماء فيها فأضحت مثابة للعطاش يردونها ليرتووا، وربما حمل الماء منها إلى الأرض العاطلة، فإذا هي بعد حين حالية بالأزهار والرياض.
وحفظة العلم من هذا الصنف أقل رتبة في الخير من العاملين المعلمين، بيد أنهم أرقى درجة من صنف آخر يعمل بضد ما يعلم ويسلك في الحياة مسلكا