يبلغه أحد، دخلت عليه يوما فرأيته قد اصفر لونه من السهر ورمصت عيناه من البكاء ودبرت جبهته من السجود وتورمت قدماه من القيام في الصلاة، فلم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحالة، فبكيت رحمة له. وإذا هو يتفكر فالتفت إلى بعد هنيئة. فقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعطيته فقرأها يسيرا ثم تركها من يده متضجرا، وقال: من يقدر على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام. وكان (عليه السلام) يتعب نفسه في العبادة ويجتهد جهدا عظيما حتى خافوا عليه من التلف، ورقت له القلوب، وكانوا يتأسفون عليه غاية الأسف، وأقبلوا يمنعونه ويحذرونه لأجل ذلك لما يجدونه منه من الضعف والانكسار، وألحوا عليه في تخفيف العبادة والبكاء ترحما على نفسه وعلى جميع أرحامه وأقاربه روحي له الفداء.
يحدثنا المجلسي في (البحار): إن فاطمة بنت الحسين عليه السلام أتت إلى جابر بن عبد الله فقالت له: يا صاحب رسول الله إن لنا عليكم حقوقا، ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكروه الله على نفسه وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد انخرم أنفه وثفنت جبهته وورمت ركبتاه وراحتاه، أذاب نفسه في العبادة. فأتى جابر إليه عليه السلام. قال جابر: فأتيت إلى بابه واستأذنت عليه، فلما دخلت عليه وجدته وقد أضنته العبادة، جالسا في محرابه، فنهض الإمام عليه السلام وأجلسه بجنبه وسأله عن حاله سؤالا خفيفا، ثم أقبل جابر يقول: بابن رسول الله أما علمت أن الله خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك. فقال له علي بن الحسين عليه السلام يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما