وقال الضحاك: كل قنوت في القرآن فإنما يعني به الطاعة، وروى مثل ذلك عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه.
وقنت الله يقنته: أطاعه، وقوله تعالى " كل له قانتون " (1) أي مطيعون، ومعنى الطاعة هنا أن من في السموات (2) مخلوقون بإرادة الله تعالى، لا يقدر أحد على تغيير الخلقة [ولا ملك مقرب] (3)، فآثار الخلقة والصنعة تدل على الطاعة، وليس يعنى بها طاعة العبادة؛ لأن فيهما مطيعا وغير مطيع، وإنما هي طاعة الإرادة والمشيئة. كذا في اللسان.
والقنوت: " السكوت "، قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة - يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه - حتى نزلت " وقوموا لله قانتين " فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، فأمسكنا عن الكلام (4).
وقال الزجاج: المشهور في اللغة أن القنوت " الدعاء "، قلت: وهو المروي عن ابن عباس.
وقال الزجاج: وحقيقة القانت، أنه القائم بأمر الله، فالداعي إذا كان قائما خص بأن يقال له: قانت؛ لأنه ذاكر لله وهو قائم على رجليه، فحقيقة القنوت: العبادة الدعاء لله عز وجل في حال القيام، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة؛ لأنه إن لم يكن قيام بالرجلين، فهو قيام بالشيء بالنية.
قال ابن سيده: والقانت: القائم بجميع أمر الله تعالى. وقيل: القانت: العابد، " وكانت من القانتين " (5) أي من العابدين.
وقال أبو عبيد: أصل القنوت في أشياء، فمنها: القيام، وبهذا جاءت الأحاديث " في " قنوت " الصلاة "؛ لأنه إنما يدعو قائما، وأبين من ذلك حديث جابر قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت " يريد طول القيام.
وزعم ثعلب أن أصل القنوت القيام، نقله ابن سيده.
والقنوت أيضا الصلاة، ويقال للمصلى: قانت، وفي الحديث " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم " أي المصلي، وقيل: القنوت القيام بالطاعة التي ليس معها معصية.
والقنوت: ": الإمساك عن الكلام " في الصلاة أو مطلقا.
وأقنت (6): دعا على عدوه "، عن ابن الأعرابي، ومنه دعاؤه صلى الله عليه وسلم على رعل وذكوان.
وأقنت: " أطال القيام في صلاته "، عن ابن الأعرابي أيضا، وفي التنزيل " وقوموا لله قانتين " (7) كذا فسرها بعضهم.
وقد تكرر ذكر القنوت في الحديث، ويرد لمعان متعددة: كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام، وطول القيام، والسكوت، فيصرف [في] (3) كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.
وقال ابن الأنباري: القنوت على أربعة أقسام: الصلاة، وطول القيام وإقامة الطاعة، والسكوت. وأقنت، إذا " أدام الحج "، عن ابن الأعرابي أيضا.
وأقنت: " أطال الغزو "، عن ابن الأعرابي أيضا.
وأقنت، إذا " تواضع لله تعالى " عن ابن الأعرابي أيضا (8).
فتحصل لنا مما تقدم من كلام المؤلف في معنى القنوت معان تسعة، وهي: الطاعة، والسكوت، والدعاء، والقيام، والإمساك عن الكلام، وطول القيام، وإدامة الحج، وإطالة الغزو، والتواضع. ومما زيد عليه: العبادة، والصلاة، وقد تقدم شاهدهما.