معنوياتهم، وتركز فيهم الشعور بالقوة، وبالاستقلالية والحرية، فأعطتهم هذه التحركات شعورا بأن باستطاعتهم - الآن - مضايقة قريش، والضغط عليها، وأنهم يملكون أنفسهم بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
وقد عزز ذلك فيهم موادعات رسول الله لكثير من القبائل التي كانت تعيش في المنطقة، أما الأنصار فقد كانوا في غنى عن كل ذلك بملاحظة ظروفهم و أحوالهم.
يضاف إلى ذلك: أنه إذا كان بين هؤلاء المهاجرين من أثرت فيه المحنة وزعزعت يقينه الصدمة، فإن تكليفه بالقيام بأعمال وتقديم تضحيات في سبيل هذا الدين، لسوف يحصنه من الوقوع - بسبب ضعف نفسه - بين براثن الشيطان. فإنه إذا رأى نفسه يعمل في سبيل هذا الدين، وهذه العقيدة، ويضحي من أجلها وفي سبيلها، وأن عمله هذا يؤثر وينتج ويتقدم من حسن إلى أحسن، فسوف يعود إليه ثباته، وتطمئن نفسه، ويصير تأثير المحنة عليه أقل، والتفاعل معها أندر.
وسوف يصبح تعلقه بما ضحى من أجله، وتعب وشقي في سبيله، أشد وأوثق، وتنفذ بصيرته في الدين وفي الاسلام بشكل أعظم وأعمق.
د: العربي وقضية الدم:
ولقد كان العربي لا يغفر قضية الدم، ولا يتجاوزها، وعلى أساس الثأر للدم يتقرر مصير العلاقات بين القبائل والفئات سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وغير ذلك. ولربما يستمر العداء الثاري بين القبائل أجيالا عديدة.
وإذا كان لابد من قيام مجتمع إسلامي متكافل، متماسك كالجسد الواحد، فلابد من حصر قضايا الدم والثأر في أضيق دائرة ممكنة، تفاديا للأحقاد التي تتأصل في النفوس، ويظهر أثرها ولو بعد أجيال، وعشرات، بل مئات السنين.