ممارسة هذا الحق إذا لم يكلف ذلك المسلمين غاليا - إنما اكتفى المسلمون بذلك - من أجل أن يبقوا الباب مفتوحا أمام قريش، ويعطوها الفرصة للتأمل والتدبر في الأمر.
وأما ما ذكره البعض من أن المقصود من تلك السرايا لم يكن هو الحرب، بدليل قلة عدد المقاتلين المسلمين المرسلين.
فلا نراه مقنعا ولا كافيا في فهم حقيقة الدوافع لارسال تلك السرايا، لأن الاغارة على قافلة تجارية لم يكن يحتاج إلى عدد كبير من المقاتلين.
ويكفي أن نذكر هنا: أن أكبر قافلة تجارية ترسلها قريش بعد تحرشات المسلمين بتجاراتها (وذلك يدفعها طبعا لزيادة عدد المحافظين عليها)، هي القافلة التي سببت حرب بدر، وكانت بقيادة أبي سفيان، وهي لم يكن معها إلا بضعة وعشرون رجلا فقط، مع أن فيها أكثر من ألفي بعير، وفيها أموال قريش.
3 - وصايا ه (ص) لبعوثه:
وأما ما تقدم مما كان يوصي به البعوث والسرايا، فإنه يؤكد على أن هذا النبي لم يبعث إلا ليعمر الأرض، وليقطع دابر الفساد فيها، وليس جهاده للمنحرفين والظالمين إلا من هذا المنطلق، وفي هذا السبيل، على اعتبار: أن آخر الدواء الكي.
وعليه فكل تصرف لا يأخذ بنظر الاعتبار ذلك الهدف، فهو مرفوض عنده حتى وإن كان من أصحابه، ومن أقرب الناس إليه.
وإن وصاياه " صلى الله عليه وآله " تلك تحتاج إلى دراسة معمقة، للتعرف على الكثير من الحقائق التي يهم الانسان المنصف ذا الضمير الحي، والوجدان المتيقظ، أن يتعرف عليها، ويستفيد منها منهاجا، ونبراسا له في سلوكه، وأعماله، ومواقفه.
وقد سار علي " عليه السلام " في وصاياه لجيوشه على هذا النهج