إرادة الله:
لقد كان من الممكن أن ينصر الله رسوله من دون أن يضطر إلى اللجوء إلى الغار، وإلى مبيت علي " عليه السلام " على فراشه، وذلك عن طريق آيات باهرة، وعنايات ومعجزات قاهرة.
ولكن لا، فقد شاءت العناية الإلهية أن تسير الأمور على سجيتها، وعلى وفق أسبابها الطبيعية، مع تسديدات وعنايات تشمل الأمور الخارجة عن حدود الطاقة، وليكون ذلك مثلا لنا جميعا ودرسا مؤثرا، في الجد والعمل في سبيل الدين والعقيدة، فليس لنا أن ننتظر المعجزة من السماء، فالله لم يخطط لنبيه على أساس المعجزة والكرامة وحسب، ولا تكرم عليه بها إلا بعد أن رأى منه الاستعداد والتضحية والمبادرة إليها، فاستحق اللطف الإلهي، وتحقق مصداق قوله تعالى:
(لينصرن الله من ينصره). و (إن تنصروا الله ينصركم).
بين النظرة المصلحية، والواقع:
ولقد وقع المشركون في تناقض عجيب،، فهم في نفس الوقت الذي يصرون فيه على تكذيب النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "، والافتراء عليه، حتى إنهم كانوا يقولون عنه: إنه مجنون. ساحر. شاعر.
كاهن، الخ. نراهم يأتمنونه على أموالهم وودائعهم إلى الحد الذي يحتاج معه إلى أن يترك ابن عمه ينادي في الناس ثلاثة أيام، ليأتوا إليه ويأخذوا ودائعهم، وهل يؤمن المجنون، والكذاب، والكاهن، والعدو؟!.
فإن ذلك إن دل على شئ فإنما يدل على أن عدم إيمان المشركين بما يدعوهم إليه ليس إلا استكبارا وعنادا، لا عن قناعة بعدم صحة ما جاءهم به، وقد قال تعالى: أو جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) (1).