صعيد علاقاتهم بمن يحيط بهم طبعا - ويشرفون على زراعتهم، وأمور معاشهم، ويستفيدون من أرضهم، فإن ذلك يجعلهم أكثر تعلقا بالحياة، وحبا لها، ولابد من توفر دافع نفسي أقوى يسهل عليهم الخروج إلى جو آخر، فيه الكثير من المشاكل والأخطار الجسام، إن حاضرا، وإن مستقبلا.
وأيضا، إذا كان الأنصار سوف يحاربون قريشا، أعظم قبائل العرب خطرا ونفوذا، وحتى قدسية، فإن عليهم أن يعدوا إلى العشرة قبل أن يقدموا على أي إجراء من شأنه أن يعرض علاقتهم بمكة إلى الخطر، ولا سيما إذا كان من الممكن أن يجر ذلك عليهم خطر عداء العرب قاطبة، فضلا عن غيرهم، وعلى الأخص إذا كان المدنيون في موقع المعتدي في نظر الناس.
وهذا هو ما حدث بالفعل، فإن التاريخ يحدثنا: اعن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي (ص) وأصحابه إلى المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب) جمن قوس واحدة، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه " (1).
فأذن الله تعالى لهم بالقتال دفاعا عن أنفسهم، ولرد كيد أعدائهم، كما قال تعالى: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير " (2).
إما ظروف المهاجرين، فكانت مختلفة تماما عن ظروف الأنصار من